للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال شهاب الدين رحمه الله:

فإن قلت: مجرد الالتِقاء لا يحصل به الإِنزال، فكيف جُعِل مَظِنَّةَ الإِنزال؟ فأجابَ بأنه قد يحصل من الناس من يُنزِل بمجرد الملاقاة، ومنهم من يُنزل بالفكرة.

قلتُ: الأولى أن يقال: الغالبُ على الناس أنه إذا حصل التِقاء الختانيْن قلَّ أن يقَع النزْعُ الا بعد تمام العمل بالإِنزال، فتلك الحالة الأخرى إذا اتفقت قد يكون معها شيء من الانزال وهو بدايته، وقد لا يحصل اعتباره ببداية العمل،


= ومن الفرق بين المظنة والحكم، أن القطع بعدم الحكمة لا يقدح، والقطعُ بعدم مظنون المظنة يقدح (أي في بناء الحكم عليه).
ثم قال القرافي رحمه الله: وينبغي أن يتفطن لهذه القاعدة والتفاصيل، فهى وإن انبنى عليها بيان هذا الفرق فهى يحتاج اليها الفقهاء رحمهم الله كثيرا في موارد الفقه والترجيح، ثم زاد القرافي رحمه الله قائلا في هذه المسألة وموضحا لها اكثر مما عند البقوري بكلام هام جدا في هذا الموضوع، فقال:
إذا تقررت هذه القاعدة فنقول:
إنما اعتُبرت البقاعُ في الجمعات، وهي ثلاثة أمْيال، في الإِتيان اليها، لأنها مظنة أذانِها وسماعِهِ من تلك المسافة إذا هدأت الأصوات وانتفتْ الموانع، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: الجمعة على من يَسْمَعُ النداء، فجَعَل مظنة السماع مَقامَ السماع، ولذلك جُعِلتْ البقاعُ التي في مسافة القصر معتبَرة في قصْر الصلواتِ، لأنها مظنة المشقة الموجبة للترخيص.
وأما أهلة شهور العبادات كرمضان وشوال وذوي الحجة ونحوها فلا حاجة فيها إلى مظنة من جهة الزمان، بسبب أن القطع بحصولها موجود من جهة الرؤية أو إكمال العدة، فيحْصُلُ القطعُ بالمعنى المقصود، فلا حاجة إلى مظنةٍ، من جهة أن الزمان يقوم مقامه، فإن المظنة إنما تُعتبَر عند عدم الانضباط، أما معه فلا.
فإذا ظنَنَّا أن الهلال يطلع في هذه الليلة بسبب قرائن تَقَدَّت: إما من تَوالي تمام الشهور فنظن نقصَ هذا الشهر، أو من جهة طلوع القمر ليلة البدْر قبل غرُوب الشمس فنظن تمام هذا الشهر، أو من جهة تأخره في الطلوع عند غروب الشمس فنظن نقصان هذا الشهر وغيْر ذلك من الأمارات الدالة عند أرباب المواقيت على رؤية الأهلة، ويوجب أن هذه الليلة هي مظنة الهلال، فإنا لا نعتبر شيئا من ذلك ولا نقيم المظنة مقام الرؤية، لأن لنا طريقا للوصول إلى الوصف المطلوب إما بالرؤية او كمال العِدَّة. والقاعدة أنه لا يُعْدَل إلى المظنة إلا عند عدم انضباط الوصف دائما أو في الأغلب. وها هنا ليس كذلك، فلذلك سقط اعتبار المظان من الأزمنة. وكذلك أوقات الصلوات لما كانت منضبطة في نفسها لحصول القطع بها في اكثر صورها لم تقم مظانها في الصور مقامها، وبهذا يظهر الفرق بين قاعدة البقاع أقيمت مظانها مقامها، وبين الازمنة لم تُقَمْ مظانها في الصور المذكورة، وسِرُّهُ ما تقدم من القاعدة الكلية التي تقدم تقريرها قبْلُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>