للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاعلم أنهما اشتركا في أنهما طَلبٌ من القلب، غيرَ أن الحسد تمنِّي زوال النعمة عن الغير، وحصولها للحاسد، والغِبْطَةُ تَمنِّي زَوالِهَا من غير طلبِ حصولها للحاسد. ثم الحسد حسدان: حسد تَمَنى زوال النعمة وحصولها للحاسد، وتمَنَّي زوالها من غير طلب حصولها للحاسد، وهو شرّ الحسَدين، لأنه طلب المفسدة الصِّرفة من غير معارض عادي طبعي (٩٨). ثم حكْمُ الحسد التحريمُ، وأمَّا الغِبطةُ فالاباحة.

قلت: إلَّا ان يكون في خير فالندْبية، لقوله عليه السلام: "لا حسد إلّا في اثنتين: رجُلٍ أعطاه الله قرَانا فهو يقوم به ليلا ونهارا، ورجل أعطاه الله مالا فهو ينفق منه سراً وجهاراً" (٩٩). وأدلة تحريم الحسد كثيرة، فمنها قوله عليه السلام. "لا تحاسدوا" (١٠٠)، والاجماع منعقد على ذلك.

القاعدة الثامنة:

في الفرق بين التكبر والتجمل بالملابس، وبين الكِبْر والعُجْب (١٠١).


(٩٨) نسبة إلى طبيعة، وهو استعمال قياسي في فَعِيله بفتح الفاء، كما أن النسب إلى فُعَيلة بضم الفاء فُعَلى كذلك بضمها وفتح العين كجُهَنى نسبة إلى جُهينة، قال: محمد بن مالك رحمه الله في ألْفِيَّته النحوية والصرفية في باب النسب:
وفَعليٌّ في فَعيلةَ التُزِمْ ... وفُعَليّ في فُعيلَة حُسِم
(٩٩) رواية أخرى لهذا الحديث: عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا حسد الا في اثنتين (أي خصلتين اثنتين): رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلَكته في الحق (أيْ إنْفَاقِهِ فيه)، ورجل آتاه الله الحكمة (أي العلم فهو يقضي بما ويعلمها). رواه البخاري والترمذي رحمهم الله. فالمراد بالحسد في هذا الحديث الغبطة، وهي تَمني ما عند الغير من العلم والمال لفعل الخير ونفع الناس بهما، فهى جائزة ممدوحة ومحمودة بهذا المعنى.
(١٠٠) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رصول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إياكم والظَّنِّ، فإنَّ الظن أكذَبُ الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا، ولا تَنافَسُوا، ولا تحاسدوا ولا تباغَضُوا ولا تدَابروا، وكونوا عِبَاد الله، إخوانا". متفَقٌ عليه.
وعنه أيضًا أن الوصول - صلى الله عليه وسلم - قال إياكُمْ والحسدَ فإنه يأكل الحسنات كما تأكل النارُ الحطبَ.
(١٠١) هي موضوع الفرق التاسع والخمسين والمائتين بين قاعدة الكِبرِ وقاعدة التجمل بالملابس والمراكب، وكذا الفرق الستون والمائتان بين قاعدة الكِبْر والعُجْب" جـ ٤. ص ٢٢٥ - ٢٢٧، وهما من الفروق القصير عند شهاب الدين القرافي رحمه الله، وَلم يعلق عليهما بشيء، الشيخ ابن الشاط رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>