للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاعدة السابعةَ عشْرةَ:

أقرر فيها ما يجوز به السَّلَمُ ويصح، (٨٧) فأقول:


= ونَوَى التَّمْر، وهذه الأقيسةُ أقوى من قيَاسهم بكثير، لقوة جامعها، وأما قياسهم غيرَ المؤبَّرِ على المؤبَّر ففارقه ظاهر. ولفظ إطلاق "الثمار في رؤوس النخل" يقتضِي عندنا التَّبْقَيةَ بعد الزهو، وقاله الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يقتضِي القطع كسائر المبيعات، ولما فيه من الجهالة".
وعبارة الشيخ: محمد على رحمه الله في كتابه تهذيب الفروق، المطبوع معها، مماثِلَة لعبارة القرافي حيث جاء فها: وهذا ضعيف من جهة أن الحنفيةَ لا يرون المفهوم حجة، فلا تُحْتَجُّ عليهم به، بل نحتج عليهم أولاً بقياس الثمرة على الجنين، إذا خرج لم يتبع، والا أتبْع، وثانيا بقياس الثمرة على اللبن قبل الحِلاب، وثالثا بقياس اثمرة على الاغصان والورق ونَوى التمر، إلى آخر ما جاء عند القرافي من أن قياس الحنفية غيرَ المؤبَّر على المؤبَّر، فارقُة ظاهر، وجامعُهُ ضعيف.
ثم زاد صاحب التهذيب قوله: "وفي بداية الحفيد (اي بداية المجتهد لابن رشد الحفيد) قوله: "جمهور الفقهاء على أن من باع نخلا فيها ثمر قبل أن يؤبَّرَ فإن التمر للمشتري، واذا كان البيعُ بعد الإِبَّار فالثمر للبائع إلَّا أن يشترطه المبتاع والثمار كلها في هذا المعنَى في معنى النخيل. قال الشيخ علي: وسببُ هذا الخلاف معارضَةُ دليل الخطاب لدليل مفهوم الأحْرى والأَوْلى، وهو الذي يسمَّى فحْوى الخطاب، في حديث الموضوع. فقال الائمة الثلاثة: لما حكم - صلى الله عليه وسلم - بالتمر للبائع بعدَ الإبار، علمنا بدليل الخطاب الذي هو مفهوم المخالفة أنها للمشترى قبل الإبار بلا شرط، وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا وجبت للبائع بعد الإِبار، فهي بالأحرى أن تجب له قبل الإِبار، وشبَّهوا خروج التمر بالولادة، قالوا: فكما أن من باع أمَةً لها ولد فولدُها للبائع إلا ان يشترطه المبتاع، كذلك الامر في التمر، لكن مفهوم الأَحْرى ها هنا ضعيف وإن كان في الاصل أقوى من دليل الخطاب.
وبنقل ما عند القرافي، وما عند البقوري هنا في ترتيب الفروق، وما عند الشيخ علي في تهذيبها يمكن للفقيه أن يوازن بين هذه النقول في هذه المسألة، ويتوصل من خلالها إلى فهم كلام كل منهم في هذا الموضوع، والوصول إلى الصواب على ضوئها وعلى ضوء ما في الكتُبِ الفقهية التي تناولت الفروع الجزئية بتفصيل.
(٨٧) هي موضوع الفرق المائتين بين قاعدة ما يجوز من السَّلَمَ وبين قاعدة ما لا يجوز منه، وهو آخِر فرق في الجزء الثالث من كتاب الفروق، ص ٢٨٩.
والسّلَم بفتح السين واللام هو بيْعُ شيء موصوف في الذمة بثمن معَجَّلٍ، يتسلَّمُهُ البائعُ، ويسمَّى السلَفَ، وهو من البيوع المشروعة الجائزة، وأصْلُهُ الحديث المتفَقُ عليه عند الشيخين: البخاري ومسلم رحمهما الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدِمَ المدينة وهم يُسْلِفُون في الثمار السنةَ والسنتين، فقال: "من أسلَفَ فليُسْلِفْ في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم"، وهو مستثنى من النَّهي عن بيع الانسان ما ليس عنده، فإن المراد بهذا النهي أن يبيع الانسان ما ليس في ملكه وما ليس له قدرة على تسليمه. كما تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>