للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الخبر، وفيه قاعدتان: (١)

القاعدة الأولى:

في الفرق بين الرواية والشهادة، (٢) فأقول:

لا شك أنهما اجتمعا في الخبرية لقبول القسمين الصدقَ والكذِب، ثم الفرق أن الرواية هى خبر عن أمر عام لا يتعلق بشخص مُعَين، والشهادة تعلقها بشخص معين، فالرواية كقوله عليه الصلاة والسلام: "إنما الأعمال بالنيات" والشهادة كقول الشاهد: لزيد عند عَمْرو كذا.


(١) الخبر - كما يعرفه علماء الأصول والبلاغة والمنطق في تعريفهم هو الكلام المحتمِل للصدق والكذب لذاته (أي لذات الخبر)، بقطع النظر عن المخبِر به، والخبر في نفسه. ويقابله الإنشاء، وهو الكلام الذى لا يحتمل الصدق والكذب لذاته، مثل الأمر والنهي والاستفهام، كصيغ العقود في قولك: بعْتُ، واشتريت وتزوجتُ، وأنت تقصد إنشاء البيع والشراء والتزويج، وهكذا .. ومباحثه مستوفاة في العلوم المشار اليها.
(٢) هى موضوع الفرق الأول من كتاب الفروق، وقد كشف مؤلفه الإمام العلامة شهاب الدين أبو العباس احمد بن إدريس القرافي رحمه الله عن السبَب الباعث له على ابتداء كتابه بهذا الفرق فقال:
"ابتدأت بهذا الفرق بين هاتين القاعدتين، لأني أقمت أطلبه نحو ثمان سنين فلم أظفر به، وأسأل الفضلاء عن الفرق بينهما وتحقيق ماهية كل واحدة منهما، فإن كل واحدة منهما خبر، فيقولون: الفرق بينهما أن الشهادة يشترط فيها العدد والذكورية والحرية، بخلاف الرواية فإنها تصح من الواحد والمرأة والعبد، فأقولُ لهم: اشتراط ذلك فيها فرع تصورها وتمييزها، فلو عُرِفتْ بأحكامها وآثارها التي لا تُعرف إلا بعد معرفتها لزم الدّورُ، وإذا وقعت لنا حادثة (نازلة) غير منصوصة، من أين لنا أنها شهادة حتى يشترط فيها ذلك؟ فلعلها من باب الرواية التي لا يشترط فيها ذلك، فالضرورة داعية لتمييزهما .. إلى أن قال رحمه الله:
ولم أزل كذلك كثير القلق والتشوف إلى معرفة ذلك حتى طالعت شرح البرهان للمازري رحمه الله، فوجدته ذكر هذه القاعدة وحققها، وميز بين الأمرين من حيث هما، واتجه تخريج تلك الفروع تخريجا حسنا، وظهر أي الشبهين أقوى، وأى القولين أجح، وأمكننا من قِبلِ أنفسنا إذا وجدنا خلافا محكيا ولم يذكر سبب الخلاف فيه أن نخرجه على وجوه الشبهين فيه إن وجدناهما، ونشترط ما نشترطه، ونسقط ما نسقطه، ونحن على بصيرة في ذلك كله، فقال رحمه الله:

<<  <  ج: ص:  >  >>