للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون أصْل المُدْرَك عِلْماً فقط، فإنهُ يشهَد بالدّين على مَن عليه الدَّين، ولعلهُ قد دفعه إليه، فما شهد إلا أنه استصْحب الحال الأول، والاستصحابُ لا يفيد إلا الظن الضعيف، وله نظائر كثيرة. (٧٦).

القاعدة الحادية عشرة: في تقرير ما هو حُجَّةٌ عند الحكام. (٧٧)

قد تقدم الفرق بين الأدِلة والأسباب والحِجَاج. (٧٨) ثم هي سبع عشرة: الشاهدان، والشاهدان واليمين، والأربعة في الزنى، والشاهد واليمين، والمرأتان، واليمين،


(٧٦) قال القرافي ممثلا لتلك النظائر: "وكذلك الثمَنُ في البيع احتمال دفعه، ويَشهَدُ بالمِلك الموروث لوارثه مع جواز بيعه بعد أن وَرِثه، ويشهد بالاجارة ولزوم الأجرة مع جواز الإقالة، بناء على الاستصحاب، والحاصل في هذه الصوَر كلها إنما هو الظن الضعيف، ولا يكاد يبقى ما يوجَدُ فيه العلم إلا القليل من الصور، مثل النَّسَب والولاء، فإنه لا يقبل النقلَ، فيبقى العلم على حاله، وكالشهادة بالإِقرار فإنه إخبار عن وقوع النطق في الزمان الماضي، وذلك لا يرتفع، ومثل الوقف إذا حكم به حاكم، فإذا لم يحكم به حاكم فإن الشهادة إنما يحصل فيها الظن فقط، إذا شهد بأن هذه الدار وقفٌ، لاحتمال أن يكون حاكم حنفي حكم بنقضه. فتأمل هذه المواطن، فأكثرها إنما فيها الظنُّ فقط، وإنما العلم في أصل المدرك لا في دوامه، فقد تلخص الفرق بين ما هو مُدْرَك للتحمل وما ليس بمدرَك مع مسبِّبَاته، والتنبيه على عدده، وأنه لا يُقتصَر فيه على الحواس فقط كما يعتقده كثير من الفقهاء، بل لو أفادت القرائنُ القطعَ جازت الشهادة بها في جميع الصور.
وقد عقب الشيخ ابن الشاط على ما جاء عند القرافي في هذا التنبيه إلى آخر الفرق تعقيبا هاما ودقيقا، فقال رحمه الله: ما قاله من أن الشاهد في أكثرِ الشهادات لا يشهدُ إلا بالظن الضعيف غيرُ صحيح، وإنما يشهد بأن زيدا ورث الموضع الفلاني مثلا أو اشتراه، جازما بذلك لا ظانا، واحتمالُ كونه باع ذلك الموضع لا تتعرض له شهادة الشاهد بالجزم، لا في نفيه ولا في إثباته، ولكن تتعرض له بنفي العلم ببيعه أو خروجه عن ملكه على الجملة، فما توهم أنه مضَمَّنُ الشهادة ليس كما توهم، فهذا التنبيه غير صحيح. والله أعلم. فلْيتأمل ذلك وليُصَحِحْ وليُحَققْ في مظانه من أمهات كتب القواعد والفقه الطولة والتوسعة في الموضوع، فإنه مبحث هام وتعقيب دقيق يدعو إلى التأمل والنظر العميق.
(٧٧) هي موضوع الفرق الثامن والثلاثين والمائتين بين قاعدة ما هو حجة عند الحكام وقاعدة ما ليس بحجة عندهم. جـ ٤. ص ٨٢. وهو من الفروق الطويلة عند شهاب الدين القرافي رحمه الله. ولَمْ يعلق عليه بشيء الشيخ ابن الشاط رحمه الله. مِمّا يدل على انه سلّمَهُ.
(٧٨) هذا السطر يحتاج إلى تبيان ليتضح مرجع الضمير فيما بعدُ، وذلك بقول القرافي: "وأن الأدلة شأن المجتهدين، والحجاج شأن القضاة والمتحاكمين، والأسباب تعتمدُ المكلَّفين، والمقصود هنا إنما هو الحجاج، فنقول وبالله نستعين: الحجاج التي يقضي بها الحاكم سبعَ عشرةَ حجة ... " إلى آخر ما قاله القرافي، وأورده البقوري رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>