قال في أوله القرافي رحمه الله: "والضابط عندنا له هو الفرق بين القاعدتين: الاقتيات والادخار في الجنس الواحد، هذا هو مذهَبُ مالكٍ رحمه الله. وقصَرَهُ أرباُب الظاهر على الاشياء الستة التي جآت في الحديث المتَفق عليه في الصحيحين، وهو "لا تبيعُوا الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُرَّ بالبُرِ، والشعيرَ بالشعير، والتمر، بالتمر، والملح بالملح إلَّا مثْلاً بمثل، سواءً بسواء، يدا بيد، وإذا اختلفت الاجناس فبيعوا كيف شئتم إِذا كان يداً بيد"، فقالوا: يحرم ربا الفضل في هذه الستة، ويجوز في غيرها، لقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}. وجوابهم قوله تعالى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا}. والربا الزيادة، وهذه زيادة. وقال ابن عباس وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين كزيد بن أرقم وغيره: "لا يحرم رِبَا الفضل، لقوله عليه السلام: "وإنما الربا في النسيئة"، وهذه صيغة حصر تقتضي انحصار الربا في النسيئة فلا يحرم الفضل. وهذا الحديث أخرجهُ الإِمام مسلم بلفظ "إن الربا في النسيئة"، والإِمام البخاري في باب ما يُستدَل به على رجوع من قال من الصدر الأول: (لَا رِبا إلَّا في النسيئة) عن قوله، ونَزَوعِهِ عنه". وجوابهم القول بالموجب (اي موجب قول الحديث وسبب وروده"، لما روِي أَنه عليه السلام سئِل عن مبادلة الذهب بالفضة، والقمح بالشعير، فقال: "إنما الربَا في النسيئة"، ولا يحرم ما ذكرتم. إلا أن يتأخر، فسيمعَ (الراوي) الجوابَ دون السؤال. ولو لم يثبت هذا فالقاعدة في أصول الفقه أَن العامَّ في الاشخاص مطلَقٌ في الازمنة والأحوالِ والبقاع والمتعلَّقات، وهذا النص عامٌّ في أفراد الربا، مطلقٌ فيما يقع فيه، فَيُحْمَلُ على اختلافٍ الجِنس، جمعاً بين الأدلة. والمطلق إذا عُمل به في صورة سقط به الاستدلال فيما عداها. وقد سبق لنا في أول القاعدة التاسعة قبل هذه من هذا الباب الإشارةُ إلى معنى الربوي، وإلى قول الشيخ خليل: "علة طعام الربا اقْتِيَاتٌ وادخار".