(١٦) هي موضوج "الفرق السادس والاربعين والمائتين بين قاعدة الحدود وقاعدة التعازير من وجوهٍ عشرة". جـ ٤. ص ١٧٦. وقد علق عليه في أوله الشيخ ابن الشاط رحمه الله فقال: جميع ما قاله في هذا الفرق صحيح، لكنه أغفل من الأجوبة عن قوله - صلى الله عليه وسلم - "لا تجلدوا فوق عشر جلدات في غير حد من حدود الله"، وأصحُّها وأقواها هو أن لفظ الحدود ليس مقصورا على الزني وشبهه، بل لفظ الحدود في عرف الشرع متناوِل لكل مامور به ومنهى عنه، فالتعليق على هذا من جملة حدود الله تعالى. التعزير لغةَ، له معنيان: التأديب، وهو جليٌّ واضح، والمعنى الثاني: النصرة والتأييد، ومنه قول الله تعالى في تاييد ونصرة المومنين للنبي - صلى الله عليه وسلم -: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: ١٥٧]، وقوله سبحانه خطابا لنبيه الأمين: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٨) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفتح: ٨ - ٩]، وقرأ ابو عمرو بن العلاء، وابن كثير وابو جعفر: {لِيؤْمِنُوا}، بالياء, على استمرار الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك الأفعال الثلاثة بعده. والضمير في الفعل: {وَتُسَبِّحُوهُ} عائد على الله سبحانه وتعَالى، كما هو واضح وظاهر. أما التعزير شرعا فهو - كما قال العلامة أبو الحسن الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية: "هو تأديب على ذنوب لم تُشْرع فيها الحدود، ويختلف حكمه باختلاف حاله وحال فاعله، فيوافق الحدود من وجه أنه تأديبُ استصلاح وزجْر يختلف بحسب اختلاف الذنب، ويخالف الحدود من ثلاثة أوجه ... الخ. وبعبارة أخرى: التعزير هو تأديب الجاني على جُرمه وجنايته على المجنى عليه، ويكون باجتهاد الإِمام السلطان، أو من ينوب عنه من الولاة، والقضاة في تنفيذ الاحكام الشرعية كما هو واضح في هَذه القاعدة الثالثة من بيان وجوه الفرق بين الحد والتعزير. =