وأغفل أيضا التنبيه على ضَعْف قول إمام الحرمين: إن الجناية الحقيرة تسقط عقوبتها. وبيانُ ضعف ذلك القول، بل بطلانِهِ، أن قوله: العقوبة الصالحة لها لا تؤثر فيها ردعاً، قول متنافٍ، من جهةِ أنه لا معْنى لكون العقوبة صالحة للجناية إلا أنها تؤثر فها العادة الجارية ردعا، فإن كانت بحيث لا تؤثر ردعا فليست بصالحة لها، هذا أمر لا خفاء به ولا إشكال، والله أعلم. قلت: وقد كنت انتبهت لمثل هذه الملاحظة والتعليق، فأثرت في فرق وتعقيب سابق إلى كلام قريب بما جاء هنا في هذا التعليق عند ابن الشاط رحمه الله، وهو لا شك أمر ناتج عن استعمال الفكَر والنظر في كلام الفقهاء، ويُعتَبَر من توارد الخواطر على بعض المسائل الفقهية وفروعها عند التآمل فها والامعان في الكلام والتعمق فيه. (١٧) هذه الجملة: عبارة عن مثل عربي يقال فيه: "ذَكرْتَنى الطعنَ وكنتُ ناسيا". وأصْلُ وروده، وسبَبُ مقولته، أن رجلا حَمَل على رجل ليقتله، وكان في يد المحمول عليه، والمجْهز عليه رمح، فانتابه الدهش والخوف والفزَع، فأنساه ما في يده من الرمح، فقال له الذي حمل عليه: ألقِ الرمح (أي إرم به من يدك)، فأجابه قائلا: إن معي رمحاً ولا أشعرُ به! ، "ذكرتني الطعن كنت ناسيا". (اى ذكرتني شجاعتي وضربي وطعْني بالسيف والرمح في صدور الاعداء ونحورهم، كنت ناسيا لذلك ولأداته الموجودة في يدي، وحمل عليه برمحه فطعنه حتى قتله. والمثل كما قيل في تعريفه: قول سائر شُبِّهَ مَضْرِبهُ بمورده، فصارت هذه القصة والعبارة مثلا يُضرب في تذكير الشيء بشيء آخر غيره، كما قال بعض الشعراء في ذلك. تذكرتُ والذكرى تُهَيج للفتَى ... ومن عادة المحزون أن يتذكرا تذكرتُ لمّا أن رأيتُ جبينها ... هلَال الدجى، والشئُ بالشيء يذْكَرُ وتجدر الإشارة هنا إلى زيادة حرف أن بعد لما الظرفية، كما هي صلة وتوكيد في قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا} [يوسف: ٩٦]. وهي إحدى المواضع الثلاثة التي تزاد فيها أن، والمجموعة في البيتين الآتيين: تزاد أن عقب لما الظرف ... وبين لو وبين فعل الحلف وبين كاف الجر والمجرور ... وحظها التوكيد في المذكور ولكل مثال وشاهدٌ من الأبيات الشعرية. فزيادتها بعدما بَدَلَ إِنْ خطأ نحوي شائع.