للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاعدة الثامنة: في أمر الثواب والعقاب، هل هو في التفاوت وعدمه مرتبط بالأعمال أو بالمصالح والمفاسد؟ فأقول:

إعلم أنه مرتبط في ذلك بالمصالح والمفاسد لا بالأعمال، فعمل واحد يهلك به مائة رجل، يتضاعف الوزر بتضاعف المفسدة وان كان الفعل واحدا، وكذلك كلمة واحدة أحيى بها مائة رجل تتضاعف الحسنات بتضاعف تلك الخيرت، فلم يكن للأجر والعقاب هنا ارتباط بالعمل، بل بالمصلحة والمفسدة، وهذا هو الأصل، إلا أنه. يخرج عن هذا الأصل أن تكون المصلحة في الظاهر واحدة، ولكنها في موضع واجبة، وفي موضع آخر ندب، كصدقة درهم من تطوع، وصدقة درهم من زكاة واجبة، فالأجور هنا متفاوتة وإن كانت المصلحة واحدة، وما كان الأصل الذي قبله يقتضي إلا تساوي الأجور لارتباطها بالمصلحة كما قلنا، وقد نبهنا على هذا قبل هذا.

قلت: ولا خفاء أيضا أن اختلاف الأحكام مبني على اختلاف المصالح. فما كان عظيم المصلحة كان واجبا، وما قَصَرَ عنه كان ندْبا، كذلك ما كان عظيم المفسدة كان حراماً، وما قصر عنه كان مكروهاً، بل عظم المصلحة -وإن كان واجباً- يتفاوت، وكذلك ما قصر عنه يحكم عليه بالندبية، وهو - أيضاً - يتفاوت، وعلى هذا، فقد يكون أمر درهم من الزكاة، فيه زيادة مصلحة على درهم صدقة التطوع، حدث ذلك من حيث الاتصاف والسبب، والله أعلم.

ولا كانت المثوبات والعقوبات مرتبة على المصالح والمفاسد، وظهر ذلك بما تقدم، كان لنا أيضاً أن نقول:

إن تفاوت الحدود والتعزيزات هو أيضاً مزلب على مفاسد الجنايات كالقتْل، والرجم، والجلْد، والنهى، والحبس، والضرب، والسب، والله أعلم.

واعلَم أنه يجب أن يعتقد أن الله تعالى ما أَمر بشئ إلا وفيه مصلحة عاجلة أو آجلة أو كِلاهما، وما نهى عن شئ إلا وفيه مفسدة عاجلة أو آجلة،

<<  <  ج: ص:  >  >>