للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قاعدة أُخرى لا عليها، كالماء يُوهَبُ، هل يُنظَرُ إلى يسارته فَلَا مِنَّة، أوْ تُلاحَظُ المِنَّةُ وهي ضررٌ، والضَررُ منفيٌّ عن المكلَّف. (١٦)

القاعدة الثالثة:

أقرر فيها الفرق بين النقل والإِسقاط، (١٧) فأقول:

الأملاك ينقسم التصرف فيها إلى نقل وإسقاط، ثم النقل يكون بعوض وبغير عوض، والذِي هو بِعوض يكون في الأثمان ويكون في المنافع، فالأول كالبيع، والثاني كالإِجارة. والذي هو بغير عوض كالهدايا والوصايا. ثم الإِسقاط يكون بعوض كالخلع والعفوِ على مالٍ، وبغير عوض كالإِبرآء من الديون والقِصاص، وتُخَرَّجُ هنا ثلاث مسائل:

المسألة الأولى: الإِبرَاء من الدَّين، هل يفتقِرُ إلى الْقَبُول فلا يَبْرَأ إلا بعدَ القَبول .. أو يَبْرأ وإن لم يَقبل؟ فِيه خلاف. وظاهر المذهب اشتراط القَبول. ومنشأ الخلاف، هل الإِبراء إسْقاط، والإِسقاط لا يحتاج إلى القَبول، أوْ هو تمليك لِما في ذمته كالمِديان، فيفتقر إلى القبول؟ كما لو ملك عيْناً بالهبة، ويتأكد ذلك بأن


(١٦) لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا ضرر ولا ضِرار"، ولقول الله عز وَجَلْ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}. وكذا غير ذلك من النصوص والأقيسة والمناسبات التي اشتهر في الشرع اعتبارها، وهي مشملة على موجب الاعتبار، أما مالا يشتمل على موجب الاعتبار فلا يمكن جعله قاعدة شرعية، بل ينبغي أَن يضاف اليه من القيود الموجبة للمناسَبة ما يوجب اشتماله على موجب الاعتبار، وتقلُّ النقوض عليه وتظهر مناسبتُهُ. أمَّا عدم المناسبة وكثرةُ النقوض، فاعتبار هذا من غير ضرورة، خلاف المعلوم من نمط الشريعة، فتأمَّلْ ذلك.
(١٧) هي موضوع الفرق التاسع والسبعين بين قاعدة النقل وقاعدة الإِسقاط". جـ ٢. ص ١١٠. قال في أوله القرافي رحمه الله: "إعْلمْ أن الحقوق والأملاك ينقسم التصرف فيها إلى نقْلٍ وإسقاط .. والمراد بالنقل نقله إِلى الغير، وبالإِسقاط إِسقاط الحق عن الغير، كإسقاط الدَّين مثلا عن المدين .. الخ. كما هو واضح هنا عند البقوري وعند القرافي رحهما الله، ولم يعلق عليه ابن الشاط رحمه الله بشيء من تعليقاته الدقيقة المعهودة عنده في هذه الفروق للقرافي رحمهما الله

<<  <  ج: ص:  >  >>