للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الورَع فيها، لأن الله تعالى سوَّى بين طرفيها، والورع مندوبٌ، والندب مع التسوية متعذر. وقال غيرُه: يدخل الورعُ في المباحات، وما زال السَّلف (الصالح) على الزهد في المباح.

قال شهاب الدين: والفريقان على الصواب، وطريق الجمع بينهم أن المباحات لا زهد فيها ولا ورَع من حيث هي مباحات، وفيها الزهد والورع من حيث ان الاستكثار من المباحات يُحْوجُ إلى كثرة الاكتساب الموقع في الشبهات، وقد يوقع في المحرَّمات، وهو أيضا يُفْضِي إلى بطْرِ النفوس، فالتوسع في الدنيا سببُ الْمَهْلُكة لِكَثيرٍ من الناس كما اتفق لنمرود وفرعون وغيرهما، مَا جَاءهُما ما جاءهما إلا من تلك الجهة.

القاعدة الثانية عشرة: في التوكل (١٧٩)

فال أبو حامد: هو اعتماد القلب على الوكيل وحده، وهو يحصُلُ لاعتقاد كمال علمه وقدرته. ثم ما لا يحصل له فذلك إمَّا لضعف النفس بهذه الأوصاف، وإما لضعف القلبِ بسبب الأوهام الغالبة عليه، كالذي يييت مع الميت في بيت واحد.

وذكر شهاب الدين أن قوماً قالوا: لَا يصحُّ التوكلُ إلَّا مع ترك الأسباب، فهو عندهم تركُ الأسباب، والاعتمادُ على الله. وقال آخَرون: لَا ملازمةَ بين التوكل وتركِ الأسباب، بل يصح الأسباب وملابستها، وهو الأحسن لمن قوِي


(١٧٩) هي موضوع الفرق السابع والخمسين والمائتين بين قاعدة التوكل وبين قاعدة ترك الأسباب" جـ ٤. ص ٢٢١. ولم يعلق عليه بشيء الشيخ ابن الشاط رحمه الله.
قال شهاب الدين القرافي رحمه الله فَي أوله: إعلم انه قد التبس هاتان القاعدتان على كثير من الفقهاء والمحَدِّثين في علم الرقائق. فقال قوم: "لا يصحُّ التوكل إلا ترك الاسباب، ومع الاعتمادِ على اللهِ تعالى. قاله الغزالي في إحياء علوم الدين، وغيرُهُ".

<<  <  ج: ص:  >  >>