للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: الإِنكار ظاهرٌ، وما قاله خفِيٌّ جدا، فإن الفعل الواحد لا يُتصَورُ أن يُقْصَدَ به الوجوبُ والندبُ معاً لتضَادّهما.

المسألة الثانية: كثير من الفقهاء يعتقد أن المالكي يعتقد بطلان مذهب الشافعي إذا لم يدْلُكْ في غسله أو يمسَحْ جميع رأسه ونحوه، وأن الشافعي يعتقد بطور صلاة المالكي إذا لم يُبَسْمِل، وأن الجمع بين المذاهب والورع في ذلك إنما هو لِصَوْن الصلاة ونحوها عن البطلان على قول الخالِف، ليس كذلك، فالورع ليس لتحصيل صحة العِبادة، بل عبادةُ كُلِ مقلّدٍ لإِمام معتبَرٍ، صحيحةٌ بالإِجماع. وأجمعَ كل فريق مع خصمه على صحة تصرفاته وعبادته.

فإن قلت: فإذا كانتْ العبادةُ صحيحة بالإجاع فما فائدة الورَع؟ كيف يُشْرع الورعُ بعد ذلك؟ . (١٧٦)

قلتُ: فائدة الورع، وسبَبُ مشروعيته، الجمعُ بين أدلة الختلفِين، والعملُ بمقتضَى كلِ دليل، فلا يبقى في النفس توهُّمُ أنه قد أهمَلَ دليلا يُعمَل بمقتضاه هو الصحيح، فالجمعُ ينفي ذلك بأبر الجى بين المذاهب في جميع مقتضيات الأدلة في صحة العبادة والتصرف (١٧٧)، ولو كان المالكي يعتقد بطلان صحة الشافعي وبالعكس لكانت كل طائفة عند الأخرى من أعظم الناس فسقا، لِترْكها الصلاةَ طولَ عمرها، ولا تُقبَلُ لها شهادةٌ، وهذا ما لم يقُلْ به أحد.

المسألة الثالثة: اختلَف الفقهاء هل يَدخلُ الورَعُ والزهد في المباحات أمْ لا؟ فادَّعى ذلك بعضُهم، ومنعه بعضهم، فقال الأبهري (١٧٨): لا يدخل


(١٧٦) قال ابن الشاط: السؤال وارد، أي متوقَعٌ ومطروح في محله هذا عند التأمل.
(١٧٧) زاد القرافي هنا قوله: "فتأملْ ذلك"، فحقب عليه في هذه المسألة الثانية ابن الشاط بقوله: لقد تأملت ذلك، فلم أجِدْه صحيحا، كيف يصح الجمع بين مقتضَى دليلين: موجِب ومحَرِّم، وأحدُهما يقتضي لزوم الفعل، والثاني يقتضي لزوم الترْك، والجمع بين الفعل والتَّرْك بالنسبة إلى الامر الواحد محال، ولا يغني في ذلك اعتقاد اختلاف الاضافة بالنسبة إلى الإمامين. وما قاله في بقية المسألة إلى آخرها صحيح.
(١٧٨) علق ابن الشاط على ما جاء عند القرافي في هذه المسألة بقوله: ما قاله في هذه المسألة صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>