للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العدواة، والبغضة ضد المحبة، ويُمْكِنُ أن يَجمع في القلب العداوة للكافرين، والصداقةَ للمومنين، كذلك هاهنا اختلفت الاضافة فأقول:

إعتقدَ هذا الفعلَ واجبا على مذهب مالك، ومندوبا على مذهب الشافعي، فجمعهما في ذهنه باعتبار جهتين، (١٧٤)، وعلى هذا التقدير يُتصوَّرُ الجمعُ بين المذاهب جملى وجْهٍ يحصل الإِجزاءُ والاستيفاء للمقاصد، والورعُ والخروج عن العهدة من غير تناقُضٍ، فتأملْه، قال شهاب الدين بهذا، وقال: ولقد نازعني فيه جمعٌ من الفضلاء. (١٧٥)


(١٧٤) عبارة القرافي هنا: "فيجمعهما في ذهنه باعتبار جهتين وإضافتين، كما يصدق أن زيداً أبٌ لعَمْرُ، وليس أبا لخالد، فاجتمع فيه النقيضان باعتبار إضافتين. وقد أجمع أرباب المعقول على أن من شروط التناقض والتضاد اتحادَ الإضافة كما تقدم مثالُه في الأبوة، فإذا تعددت الإِضافة اجتمع النقيضان والضِّدَّانِ، وعلى هذا التقديرِ يجتمع في الذهن الواحد في الزمن الواحد في الفعل الواحد، الوجوبُ والتحريمُ والكراهة والندب والإِباحة باعتبار خمسةٍ من العلماء القائلين بتلك الأحكام، فعلى هذا التقدير يُتَصور الجمع بين المذاهب على وجه يَحْصُلُ الإِجزاء والاستيفاءُ للمقاصد ... الخ.
(١٧٥) عَقّب الشيخ ابن الشاط على ما جاء عند القرافي في هذه المسألة الاولى من أولها إلى آخرها فقال: قد تقدم أن الورع لا يحصل باعتبار اختلاف المذاهب، للزوم المذهب للمجتهد والمقلِّد جميعا، لا سِيَمَا عند اختلافهما بالايجاب والتحريم، إذْ يتعيَّنُ الفعل في الاول، والترك في الثاني. وأما في الايجاب والندب والتحليل، أو في التحريم والكراهة فقد يتوهم صحة ذلك من يقول: إن الثلاثة الأولى مُشْتركِة في جواز الفعل، والاثنان مشتركِان في رجحان الترك، لكنه فيح من صحة ذلك لزومُ عمل المجهد ومقلِّده على حسب مقتضَى اجتهاد المجتهد، إلا أن يقول قائل في المقلد: إنه يسوغ له تقليد أحد القائلين بالوجوب والندْب مثلا لا بعينه، ويفْعَل الفعْل لا بنيَّة التفويض، لكن لا أعرفه لأحد، ولا أعرف له وجهاً، وما وجه الشهابُ به، بناءً على أن التناقض والتضادَّ إنما يتحققان بشرط اتحاد المحل والمتحفق والإضافة، لا يصح له، وإن كان اشتراط تلك الشروط في التناقض والتضاد صحيحا، لأنه يلزم المجتهدَ ومقَلِّدَه موافقة اجتهادِهِ في عمله واعتقاده، ويحْرُمُ عليه وعلى مقلده مخالفتُهُ، فظهر أن القول الصحيح هو قول منازعي الشهاب في ذلك، واللهُ تعالى أعلم.
قلت: وَمَا انتهى اليه ابن الشاط في ختام تعقيبه هذا هو ما نجد مضمونه وخلاصته في تعقيب الشيخ البقوري في نهاية كلام القرافي على هذه المسألة الأولى. فرحم الله الجميع. وأثابهم الثواب الجزيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>