للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك التقاء الختانيْن، اذ لا شيء يكون مضبوطا غير ذلك، وان لم يكن الانزال يحصل بمجرد الالتقاء غالبا، وانما يكون نادرا، ولكنه هو المنضبط عندنا في ذلك لا غيره.

القاعدة الثالثة (٨)

لِمَ خُصّت البقاع المعظَّمة بالصلاة، والازمنةُ المعظمة بالصيام؟

فأجاب عن هذا شهاب الدين رحمه الله بما مقتضاه:

ان القصد الحقيقي تعظيم الموْلَى جلَّ وعَلا، وليس في قدرة البَشر أن يعظموه كما يجِبُ له، فاكتفى منهم أن تظهر عليهم آثار التعظيم كما تظهر عليهم مع ملوكهم.

ولمّا كان الشأن أن العظيم إذا مُرَّ ببيته (٩) وحيث هو، يُسَلَّم عليه ويخضع له بالمقال والفعل، من حيث إنه ينحني ويتضآل ويُقَبِّلُ البساط إلى غير ذلك من


(٨) هي موضوع الفرق التاسع والتسعين: جـ ٢. ص ١٧٠. ونصه بتمامه عند القرافي:
الفرق التاسع والتسعون بين قاعدة البقاعَ المعظمة من المساجد تُعَظَّمُ بالصلاه ويتاكد طلب الصلاه عند ملابستها، وبين قاعده الأزمنة المعظمة كالأشهر الحرم وغيْرها لَا تعظم بتاكد الصَّوْم فيها.
(٩) عبارة القرافي هنا رحمه الله هي: "ومن ذلك (اي من التعظيم للناس) والتأديب معهم أن أحدنا إذا مرَّ ببيوت الاكابر يسلم عليهم ويحييهم بالتحية الآئقة بهم، والسلامُ في حقه تعالى محالٌ، لأنه دعاء بالسلامة وهو سالم لذاته عن جميع النقائص، أو هو من السالمة وهي التامين من الضرر، وهو تعالى يُجِير ولا يجارُ عليه، فاستغْنى عن ذلك لتعذر معانيه في حقه تعالى. بل ورَدَ أن نقول له تعالى: أنتَ السلام، ومنك السلام، واليك يعود السلام، حيّنا ربَّنا بالسلام، أي أنتَ السالم لذاتك، ومنك يصْدُر السلام لعبادك، وإليْك يرْجعُ طلبُها فأعْطِنا إيّاها.
ولما استحال السلام في حقه تعالى أقيمت الصلاة مقامه ليَتَميَّز بيت الرب عن غيره من البيوت بصورة التعظيم بما يليق بالربوبية، ولذلك نابت الفريضة عن الناقلة في ذلك لحصول التمييز بها. أقول: ومن هنا يظهر أساس قول الشيخ خليل بن اسحاق المالكي رحمه الله في مختصره للمدونة، وهو يتحدث عن تحية المسجد، والاكتفاءِ بأداء الفريضة عنها حين تقام الصلاة، او يضيق وقتها، فقال: "وتأدتْ بفرض"، أي يكتفى بَالفريضة، ويحصل له ثوابُ تحية المسجد إن تواها مع الفريضة.

<<  <  ج: ص:  >  >>