للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأفعال جُعِل للعبيد مع مولاهم مثلُ ذلك، فإذا دخلوا مسجده حيَّوْهُ بركعتين. وإنْ جاءُوا إليه في البيت الأعْظَم له وحيث أظهر خيْرَه ونعمته على كل مَنْ أقبل عليه يبايعونه ويلوذون بقصو ويُحُفّون به مستبشرينَ فرحين، كان مثْلُ ذلك بمكة إذا جاءها كلُّ من جاءها، فهذا أوجَبَ تخصيص البقاع بهذه العبادة، ولمْ يكن عندها الصومُ، لأن العادةَ في التعظيم للملوك ليسَ هو بالصوم.

ثم الأزْمَانُ لم يكن فيها زمانٌ اشتهر بالله واختص به كاختصاص الكعبة والمساجد، فلم يكن للأزمنة ما ذُكر من الصلاة، لهذا المعنى.

ثم قال: قد ورد أنه ينزل الرب إلى سماء الدنيا في الثلث الآخِرِ من الليل، (١٠) فأجاب بأنْ قال: الأزمنة التي جَرَتْ العادة بقدوم الملِك فيها على الرّعايا، شأنها أن تعظم بالزينة وما يناسبها، وكان يلزمنا مثل ذلك في هذا الزمان، غير أن الليل لا يناسبُ الصيام، فشرع فيه ما يناسبه من التضرع والدعاء والاستغفار.

قلت: هذه القاعدة من أصْلها، كيف تصح؟ واللهُ جعلَ الصلاة معتبَرةً بالأزمان. نفْياً وثبوتا، كما جعلها بالبقاع نفيا وثبوتا، فقد نهى عن الصلاة في وقتين او ثلاثة على ما جاء في بعض الأحاديث، (١١) وقد أمر بالصلاة في أوقات معلومة بالليل والنهار، بحسب الفرائض بحسب النوافل، وأيْضاً فالثلث الآخر من الليل هو


(١٠) الحديث اخرجه الجماعة من أئمة الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ينزل دهشا عز وجل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيبَ له، من يسألنى فأعطيَه، من يستغفرني فأغفر له"، وأورده السيد السابق في كتابه فقه السنة.
والمرادُ من الحديث أن الله تعالى يتجلَّى على عباده، تجليا خاصا، فيتجَلَّى عليهم بالمغفرة والرحمة، والرضوان واستجابة الدعاء في ذلك الوقت، خاصىة وهُمْ في حالة التهجد والقيام بالنوافل في الثلث الاخير من الليل، والقنوت والاستغفار بالْأسْحارِ.
(١١) ونصه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: شهِد عندي رجال مرْضيُّون وأرضاهم عندى عُمَرُ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس، وبعْد العصر حتى تغرب". حديث صحيح، وهي عند الشروق والغروب منهيُّ عنها نهي تحريم.

<<  <  ج: ص:  >  >>