للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في إلزامه ما لم يعتقد لزومه تنفيراً له عن الإِسلام، فقُدِّمت مصلحة الإِسلام على مصلحة ذوِي الحقوق. وأما حقوق الله تعالى فتسقط مطلقا، رضي بها أم لا.

والفرق بين الحقيْن من وجهيْن:

أحدهما أن الإِسلام حق لله تعالى، والعبادات ونحوها حق الله تعالى، فلما كان الحقان لجهة واحدة ناسَبَ أن يقدّم أحدهما على الآخر، أما حق الآدميين فجهةٌ للآدميين، والِإسلام ليس حقا لهم، فناسب أن لا يُسقِط حقُّهم تحصيلَ حق غيرهم.

وثانيهما أن حق الله سقط لكرمه، ولا يَسقط للعبد إلا ما تقدم الرضى به.

القاعدة السابعة عشرة:

في الكذِب وفي الوعد وفي خُلْف الوعْد. (٢٠١)

أمّا الوعد فاختلَف الفقهاء، هل يجب الوفاء به شرعا أم لا؟

فقال مالك: لا يَلزَمُ، وقال سحنون: (٢٠٢) الذي يلزم من الوعد: إهدِمْ دَارَكَ وأنا أسْلفك ما تبني به، أو أخرُجْ إلى الحج وأنا أسلفك، أو إشتر سلعة، أوْ تزوَّجْ، لأنك أدخلته بوعدك في شيء ما كان يدخله، وأما مجرد الوعد فلا يلزم


(٢٠١) هي موضوع الفرق الرابع عشر ومائتين بين قاعدة الكذب وقاعدة الوعد، وما يَجبُ الوفاء به منه وما لا يجب". جـ ٤. ص ٥٢٠.
بدأه القرافي رحمه الله بقول الله تعالى في أول سورة الصف: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ}. ثم قال: "والوعد إذا أخْلِف، قولٌ لم يُفعَل، فيلزَم أن يكون كذبا حرّما، وأن يُحرَّم إخلاف الوعد مطلقا. وقال عليه الصلاة والسلام: "آيةُ المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب واذا وعدَ أخْلَف، وإذا اوئتمن خان". فذِكْرُه (أي خُلْفِ الوعد) في سياق الذم دليل على التحريم".
وقد علق الشيخ ابن الشاط رحمه الله على ما جَآءَ في أولِ هذه القاعدة والفرق عند القرافي فقال: "ما قاله صحيح ولا كلام فيه" ..
قلت: والحديث المذكور صحيح مشهور، أخرجه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢٠٢) كذا في نسختي ع وت، وهو ما عند القرافي وفي ح: محمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>