للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوفاءُ به، بل الوفاء به من مكارم الاخلاق. وقال أصبغ: يُقْضَى عليك به، تزوجَ الموعود أمْ لا. وكذلك؟ أسْلِفني لأشتريَ سلعةَ كذا، لزمك، تسبَّب في ذلك أمْ لَا، وإنما الذي لا يَلزَمُ من ذلك أن يَعِدَه من غير ذكر سبب، كأن يقول: أسلفني كذا، فيقول: نعمْ، (٢٠٣) وإن وعَدتَ غريمك بتاخير الدَّين لزِمَك. (٢٠٤)

واعْلَمْ أن مِن الفقهاء من قال: الكذِبُ يختص بالماضي والحاضر، والوعْدُ إنما يتعلق بالمستقبل، فلا يدخلُهُ الكذب، (٢٠٥). ومنهم يقول: لَمْ يتعين عدم المطابقة في الستقبَل ولا المطابقَةُ، وانما تتعَّينُ المطابقة أو عدمُها بحسَب الماضي والحاضر، فيكون صدقاً أوْ كذِبا، (٢٠٦) والذي في الوعد قبول المطابقة لا المطابقة، وكذلك قبولُ عدم المطابقة لا عدَمُها، ومنهم من يقول: الكُّلُ يدخله الكذِب، وإنما شُومِحَ في الوعد، تكْثيراً للعِدَة بالمعروف (أيْ الوعد به)، وعلى هذا القول لا فَرق بين الوعد والكذب، والظاهِرُ الاول، لِعَدَم تعيُّن المطابقة وعدَمها. (٢٠٧)

وهذا يُعَضِّدُهُ "أن رجلاً جاءَ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له: الكْذِبُ لامْرَأتِي؟ فقال له: لا خيرَ في الكذب، فقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أفَأعِدُها؟


(٢٠٣) زاد القرافي قوله: "بذلك قضَى عمر بن عبد العزيز".
(٢٠٤) قال القرافي: "لأنهَ إسقاط لازم للحق، سواء قلتَ له: أؤخرك أو أخّرْتُك".
(٢٠٥) عبارة القرافي هنا بدأها بقوله: "واعْلم أنّا إذا فسَّرنا الكذب بالخبر الذي لا يطابِق، (أي لا يطابق الواقعَ أو الاعتقادَ، على خلاف في ذلك)، لزم دخول الكذب في الوعد، بالضرورة، مع أن ظاهر الحديث يأباه، وكذلك عدم التأثيم. فمن الفقهاء من قال: الكذبُ يختص بالماضي والحاضر، إلى آخر ما عند القرافي هنا، وأورده البقوري رحمهما الله. والحديث المشار إليه هنا عند القرافي هو ما ياتي للبقوري بعد هذه الفقرة.
وقد علق الشيخ ابن الشاط على هذأ الكلام عند القرافي بقوله:
"ما قاله في ذلك صحيح"، كما علق على قوله: "مع أن ظاهر الحديث ياباه، وكذلك عدم التاثيم" بقوله: يلزم تاويل ذلك.
(٢٠٦) علق ابن الشاط على هذا الكلام بقوله: هؤلاء الذين قالُوا هذا القولَ لم يخالفوا الأول في كون الكذب لا يدخل الوعدَ، ولكنهم عيَّنوا السبب في ذلك وبسطوه (وهو أن المستقبل زمان يقبل الوجود والعدم، ولم يقع فيه بحدُ وجود ولا عدمٌ، فليس فيه إلا قبولُ المطابقة أو عدمها)، ومَسَاق المؤلف لقول هؤلاء مفصولا عن قوْلِ أولثك يُشعِر باعتقاده أنه قول غيرُ الأول، وليس كذلك، بل هو القول الاول بعينه.
(٢٠٧) قال ابن الشاط معقبا على هذا الكلام هنا وعند القرافي: الصحيح نقيض مختارِه، وأنه لا فرق هنا، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>