(٢٠٩) نَصُّهُ في بعض كتب الحديث: "إذا وعد الرجل أخاه وفي نيته أن يفيَ فلم يف ولم يَجِئْ للميعاد فلا إثم عليه". رواه كل من أبي داود والترمذي عن زيد بن أرقم رضي الله عنه. وخلاصة معنى الحديث أن الذي لم يف بوعده ولم يجئْ لميعاده لعذر من الاعذار المقبولة كالنسيان والمرض وطرؤ مانع من الموانع، لا إثم عليه، لأنه مغلوب على أمره، أما إذا وعد ونوى عدم الوفاء فإنه يكون آثِما، لأن الوفاء، بالوعد واجب، وخُلفُه حرام.، وقال جمهور العلماء: إن الوفاء بالوعد ليس واجبا، ولكنه أمرٌ مستحب فقط. والخُلْفُ مكروه، إلا إذا قصَد بالخُلْف صاحبُهُ الإذايةَ للغير فإنه يكون حينئذ حراما، وهذا ما لم يكن الوعد على شيء مجرم، وإلا وجب إخلافه، تجنبا للوقوع في الاثم، وابتعادا عنه، وطلبا للسلامة منه. (٢١٠) قال القرافي هنا توضيحا وتلخيصا لهذه الاقوال في لزوم الوفاء بالوعد وعدم لزومه: وحينئذ نقول: وجْهُ الجمع بين الأدلة المتقدمة التي يفتضى بعضها الوفاءَ بالوعد، وبعضُهَا عدمَ الوفاء به، أنه إن أدخله في سبب يَلزَم بوعده، لزم كما قال مالك وابن القاسم وسحنون، أو كان وعْدُهُ مقرونا بذكر السبب كما قاله أصبغ، لتأكد العزم على الدفع حينئذ، ويُحْمَلُ عدم اللزوم على خلاف ذلك. مع أنه قد قيل في الآية: إنها نزلت في قوم كانوا يقولون: جاهدنا وما جاهدوا، وفعلْنا أنواعا من الخيرات وما فعلوها. ولاشك أن هذا محرّم، لأنه كَذِبٌ، ولأنه تسميع لطاعة الله تعالى، وكلاهما محرَّمٌ ومعصية اتفاقا. وأما ما ذُكِر من الإخلاف في صفة المنافق فمعناه أنه سجية له، ومقتضَى حاله الإخلاف، ومثل هذه السجية يحسن الذّم بها كما يقال: سَجِيَّتهُ تقتضي البخل والمنع، فمن كانت صفاته تَحُثُّ على الخير مُدِحَ، أو تحُثُّ على السّر ذَمَّ شرعاً وعرْفا. وقد علَّق ابن الشاط على هذا الكلام عند القرافي بقوله: "الصحيح عندي القولُ بلزوم الوفاء بالوعْدِ مطلقا (أي سواء كان وارداً على سبب ومقترنا به أم لا)، فيتعين تأويل ما يناقِض ذلك، ويُجْمَعُ بين الأدلة على خلاف الوجه الذي اختاره المؤلف، والله أعلم".