للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاعدة الثانية (٣)

نقرر فيها الفرق بين الجوابر والزواجر فأقول:

الزواجر تعتمد المفاسد، ثم قد يكون معها عصيان كالصبيان والمجانين، فإننا نزجرهم ؤلؤدبهم لا لعيانهم، بل لِدَرْءِ المفاسد، وكذلك البهائم، ثم قد تكون مقدَّرة كالحدود، وغير مقدرة كالتعازير.

وأما الجوابر فهي مشروعة لاستدراك المصالح الفائتة، ولا يشترط في حق مَنْ يتوجّه قِبلَه الجابرُ أن يكون آثِما، ولذلك شُرع مع العمد والجهل والنسيان، وعلى المجانين والصبيان، واختلَفَ العلماء في بعض الكفارات هل هي زواجر لما فيها من مشاقِ تحمُّل الأموال وغيرها، أو هيَ جوابرُ لأنها عبادات لا تصح إلا بنيَّة، وليس التقرب إلى الله زجرا، بخلاف الحدود والتعزيرات. (٤)

ثم الجوابِرُ تقع في العبادات كالتيمم مع الوضوء وسجود السهو للسُّنن، وغير ذلك، وهو كثير في أنواع من العبادات، وفي الحج الذي من أجْلِهِ ذُكرتْ هذه القاعدد هنا، كالشك في حق من ارتكبَ محظورا من محظورات الحج، أو


= التراخي. ولعلَّ كلمة (إذا لم يتصور) كتبتْ خطا ونسخا مكان إذا لم يُصَنْ ويكون المعنى إذا لم يحفظ حق الوالدين وتعرض للضياع عند أداء فريضة الحج، فإنه يقدم الحفاظ على حقهما على القيام بتلك الفريضة، إذا قلنا إن الحج واجب على التراخي على قول. ويدل على ذلك قول القرافي هنا، وكذلك يقدم صوْنُ مال الغير على الصلاة إذا خشى فواته، وهو من باب تقديم حق العبد على حق الله تعالى، وهي مسألة خلاف، وكذلك قول البقوري في اول الفقرة: واختلف في صون مال الغير، من حيث الخلاف في تقديم حقوق العبد على حقوق الله، والعكس. على أن كلمة "إذا لم يتصور" تبقي سليمة العبارة والمعْنَى، حيث إنها موجودة في جميع النسخ الثلاث الموجودة بين لدينا للتحقيق والقابلة. لهذا الكتاب.
(٣) هي موضوع الفرق التايىح والثلاثين بين قاعدة الزواجر، وبين قاعدة الجوابرِ. جـ ١، ص ٢١٣.
قال عنه القرافي رحمه الله في اوله: وهاتان القاعدتان عظيمتان، وتحريرهما أن الزواجر تعتمد الفاسد، وأما الجوابر فهي مشروعة لاستداك المصالح الفائتة، والزواجر مشروعة لدرء المفاسد المتوقعة، ولا يشترط في حق من يتوجه في حقه الجابر أن يكون آثما ... "
(٤) زاد القرافي هنا للبيان قوله: (فإنها أي الحدود والتعويرات) ليست قُرُباتٍ، لأنها ليست فعلا للمزجُورين، بل يفعلها الأئِمة بهِمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>