للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على ظنه أن الكعبة وراءها، وإذا فعل ذلك وجبَ عليه استقبالها إجماعا، فصار السمتُ مجْمَعاً عليه باعتبار، والجهة مُجْمَعاً عليها باعتبار، ولا خلاف يصح على هذا.

وأيضا فنقول: أجْمَعَ الناس على أن الصف الطويل الذي يكون في طوله مائةُ ذِراعِ، صَلاتُه صحيحة، والكعبة طوُلها خمس وعشرون ذِراعا، وذلك يوجبُ أن بعض الصَّفِّ خارجٌ عن السَّمت، (٢). وأيضا فإن البلديْن المتقَارِبِيْن يكون استقبالهما واحداً، معَ أنّا نقطع بأنهما أطَوُل من سمت الكعبة، فهذه الأشياء توجب الإِشكال في أمر الجهة، وفي أمر السمت.

والجوابُ ما كان يذكره الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله قال: لاشك أن الواجِبات، منها ما وجب إيجابَ الوسائِلِ، ومنها ما وجَبَ إيجاب المقاصد، (٣) وهذا قد تقرر في المقاصد، والوسائل حيث ذكِرَتْ قاعدتهما.

فنقول:

الخلاف إنما هو، هل الواجب وجوب المقاصد، السَّمتُ أو الجهة؟ قولان، وهذا من حيث إن السمت هل وَجَب استقبالُه أوْ لَا؟ قولان، قيل: وجبَ، وقيل: لم يجب. ولا قائل بأنه من باب إيجابِ الوسائل، بل المقاصد، والجهة واجبة بالإِجماع، والخلاف هل وجوبها من باب إيجاب الوسائل أو من باب إيجاب المقاصد؟ قولان. فمالِكٌ يقولُ: من باب إيجاب المقاصد، فإذا اجتهد فأدَّاهُ اجتهاده إلى شيءٍ مَّا، كان أدَّى ما عليه، ومَن قال: من بابِ الوسائلِ، إذا ظَهر الخطأ لزمتْه الإِعادة.

والجوابُ عن الصف الطويل أن المرادَ بالاستقبال، الاستقبالُ العادي، والعادَةُ أن الصف الطويل اذَا بَعُدَ يَسيرًا عما كان أقصر منه يكون مستقبلا له،


(٢) قال الفقيه ابن الشاط رحمه الله: (إجماع الناس على صحة صلاة الصَّفِ الطويل مع خروج بعضه عن السمت، وهو أقوى حجج القائلين بالجهة (اي القائلين بأن المطلوب والفروض استقبال جهة الكعبة لا عينُها ومعاينتها)، وهذا طبعا بالنسبة لغير القريب والمعاين لها والمشاهد لها، فلا خلاف في أن فرضه استقبال سمتها كما ذكر.
وقد ذكر شهاب الدين القرافي رحمه الله أن عرض الكعبة عشرون ذراعا، وطولها خمسة وعشرون ذراعا على ما قيل، والصف الطويل مائة ذراع فاكثر، فبعضه خارج عن السمت قطعا.
(٣) قال ابن الشاط: ما ذكره الامام القرافي رحمه الله، حاكيا له عن عز الدين بن عبد السلام رحمه الله، من أن الواجب على ضربين: واجب وجوب الوسائل وواجب وجوب المقاصد، صحيح كما ذكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>