للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التكفير من حيث المصيبة بإطلاق، وما كان سبباً للثواب يكون سببا للتكفير، وليس ما كان سببا للتكفير يكون سببا للثواب ولابد، وهذا لِأجْلِ ما شرطنا في سبب المثوبة من الشرطين المذكوريْن. ثم ذلك الشخص الذي يصحب المصيبة قد يكون ما ترتَّب عليه أكثرُ ممّا يترتب على المعصية من التكفير، وقد يكون أقلّ، وقد يكون مساويا.

وقال شهاب الدين هنا: والتكفيرُ مِن حيث المصيبةُ إنما كان لأجل الألم اللاحق. ولما كان كذلك فالتكفير حسب قدْر الألمِ، فيَعْظُم لعظمته وبالعكس، وكذلك يعظم لعظم الولد وبالعكس، فلو فرضنا ولداً لا يتألم بفقده والده لما كان له عليه شيء. (١٩٤).


قال ابن الشاط معلقا على هذا الكلام عند القرافي: "ما قاله في ذلك صحيح، إلا قوله "وتمحو آثارها"، فإنه إن أراد بذلك محوها من الصحائف فإن ذلك ليس بصحيح، لأنه عيْنُ الإِحباط، وهو باطل عند أهل السنَّة.
ثم زاد ابن الشاط قائلا: وأما قول الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} فليس في هذه الآية دليل للقرافي على كون المصائب مكفرة للذنوب أو غيرَ مكفرة، وإنما فيها أن المصائبَ سببُ الذنوب، وأن من الذنوب ما لا يُقابَلُ بمصيبة يكون سببا لها، بل يسامَحُ فيه ويُعفَى عنه".
(١٩٤) قال ابن الشاط هنا: "ما قاله القرافي من أن المصيبة لا ثوابَ فيها قطعا ليس بصحيح، وقد تبين قبلَ هذا أن ما استدل به من العمومات لا دليل فيه، لتعَيُّن حملها على الخصوص بالإِجماع على صحة النيابة في الامور المالية، وبالظواهر الظاهرة بثبوت الحسنات في الآلام وشبهها.
ثمَّ عقَّب ابن الشاط على ما ذكرَهُ القرافي من أن التكفير في موت الاولاد ونحوهم إنما هو بسبب الالام "بأنه صحيح، وما قاله من أن الولد إذا كان مكروهاً عند والده، ويُسَرُّ بفقده فلا كفارةَ بفقده البتَّة، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أطلق التكفير بموت الاولاد، بناءً على الغالب أنه يؤلمه موت الولد، فقال: "في ذلك تحكم بِتقييد كلام الشارع من غير دليل، وتضييق لباب الرحمة الثابت سعَتُهُ".
قلت: والحديث الدال على الثواب العظيم الذي يعطيه الله لمن توفي له بعض أولاده هو ما رواه أنس رضي الله عنه عن النبي طلائه قال: ما مِن الناس من مسلم يُتوفَّى له ثلاثةٌ لم يبلُغُوا الحِنْث (أي لم يبلغوا مبلَغ الرجال والنساء وهو سن التكليف) إلا ادخله الله الجنة بِفضل رحمته إياهم". رواه البخاري والنسائي رحمهم الله.
وعن أبي سعيد رضي الله عنه أن النساء قلن للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إجعل لنا يوما (أي خَصِّصْ لنا يوما

<<  <  ج: ص:  >  >>