للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالقضاء واجب. (١٨٦)

وأما المقضي فإن كان واجبا وجب الرضى به، وإن كان حراما حَرُمَ الرضي به، وإن كان مندوبا فهو مندوب، أو مكروها فمكروه، فالرضى بالكفر كُفْرٌ. فعلى هذا، العبدُ إذا قدر عليه بالكفر فهو غير راض بالكفر الذي هو المقضي، ولا يحل له الرضَى به، وواجب عليه الرضَى بقدر الله السابق عليه، ومتى سخِط كان ذنبه من جهة الكفر، ومن جهة السخط بالرضَى.

وعلى هذا الرضَى بالقضاء يحصل من كل مسلم، وليس ممّا يختص به الأولياءُ. (١٨٧). وَمَا سبب هذا إلا أنهم لا يفرقون بين الرضى بالقضاء وبين الرضى بالمقضى. ولاشك أن الرضَى بالمقضي الذي يخالف الطبعَ حتى لا يكون معه خير مِن ألمه، أمْرٌ عزيز، ويكاد أنه ما حصل للانبياء، فكيف يحصل لغيرهمْ، فالصواب التفريق، واللهُ أعلم (١٨٨).


(١٨٦) فالرضى بالقضاء والقدر من أسس وعناصر الايمان كما جاء في حديث جبريل عليه السلام. أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: الايمان أن تومن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقضاء والقدَر: خيره وشر، حُلْوه ومُرّه".
وعن أنس رضي الله عن النبِي - صلى الله عليه وسلم - قال: ثلاثٌ من أصل الايمان: (١) الكفُّ عمن قال لا الاه إلا اللهُ، ولا نُكَفِرُهُ بذنْب، ولا نُخرجه من الاسلام بعمل، والجهادُ ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتِل آخرُ هذه الأمة الدجالَ، لا ببطله جوْرُ جائِرٍ، ولا عدْلُ عادلٍ، (٣) والايمان بالأقدار". والأقدار جمع قدَر، وهو ما قدره الله وكتبه على الانسان في سابق العلم والازل). روى هذا الحديثَ أبو داود بسند حسن.
(١٨٧) عبارة القرافي هنا أوسعُ وأوضحُ حيث قال: "وإذا وضَحَتْ لك هذه الفروق فاعْلَمْ أن كثيرا من الناس يعتقد أن الرضى بالقضاء إنما يحصل من الاولياء، وخاصة عُبَّاَد الله تعالى، لأنه من العزيز الوجود، وليس كذلك، بل أكثرُ العوام من الومنين إنما يتألمون من المقضى فقط، وأمَّا التوجُّهُ إلى جهة الربوبية بالتجوير والقضاء بغير العدل فهذا لا يكاد يوجد إلا نادرا من الفُجَّار والمرَدَة، وإنما يبعث هؤلاء على قولهم: "إن الرضى بالقضاءِ إنما يكون من جهة الأولياء خاصة"، أنهم يعتقدون أن الرضى بالقضاء هو الرضى بالقضى، وعلى هذا التفسير هو عزيز الوجود، بل هو كالمتعذر" اهـ.
(١٨٨) قال القرافي هنا تكملةً للموضوع، وزيادةً في الايضاح والبيان: "فإنَّا نَجْزم بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تألم لقتل عمه حمزةَ، وموت ولده إبراهيم ورمْي عائشة بما رُمِيَتْ به، لأن ذلك كله من القضى، ونَجْزِم بأن الانبياء عليهم السلام تتألم طباعهم وتتوجع من المؤلات وتُسَرُّ بالسرات.
وإذا كان الرضَى بالقضيات غيرَ حاصل في طبائع الانبياء، فغيرهم بطريق الأولى.
فالرضى بهذا التفسير لا طمعَ فيه، وهذا التفسير غلطٌ، بل الحق ما تقدم، وهو متيسر على أكثرِ العوام من المومنين، فضلا عن الانبياء والصالحين، فاعلَمْ ذلك ".

<<  <  ج: ص:  >  >>