للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختلف القائلون بخُروجه عن صلاحيته للتطهر، هَلْ ذَلك معلَّلٌ بإزالة المانِعِ، أو بِأنه أدِّيَتْ به قُرْبَةٌ، ويُخَرَّجُ على القولين مسائلُ:

فإذا قلْنا: العلةُ إزالةُ المانِع، لم يندَرِجْ في الماءِ المستعمل الغَسْلُ في المَرّة الثانية والثالثة إذا نَوَى بالأولى الوجوبَ، ولا الماءِ المستعمَلُ في تجديد الوضوءِ، ونحو ذلك مما لا يُزيل المانع، وينْدَرِجُ فيه الماءُ المستعملُ في غسل الذمية، لأنه أزالَ المانعَ، فلو عَلَّلناه بأنه قُرْبَةٌ لَمَا اندرج فيه المستعمَلُ في غسْلِ الذِمية، واندرَج الآخَرَانِ (٢).

قال شهاب الدين رحمه الله: ولِلْقائلين بخروجه عن كونِه صالحا للتطهر مَداركُ، أحْسَنُها أن قوله تعالى: "وأنزلنا من السماء ماءً طَهورا" (٣)، مطلق في التطهير، والمطْلَق يدل على أصْلِ الفعل، وهو -هاهنا- التطهير لا المَرَّة والمرّتان، فإذا حصَلَتْ المَرَّة فقد حصل مُوجب اللفظ وبقِيتْ المرةُ الثانية فيه غيْرَ منطوق بها، فَتَبْقَى على الأصل غيرَ معتبَرَة، فإنَّ الأصل في الاشياء عدمُ الاعتبَار في التطهير وغيره، إلا ما وردت به الشريعةُ، قال: وهذا وجْهٌ قوِيٌّ حسنِ (٤).

قلت: الاصل خلافُهُ، وهو الأظهر؛ فإنه لَمّا قَضَيْنا على الماءِ بمطلق التطهْير فذلك حاصل له وثابت مع المرَّة الأولى وثابتٌ له مع الثانية والثالثة هكذا، غيرُ زإئل حتى يدُل دليل على زوال ما ثبت له بذلك الإِطلاقِ، والله أعلم.


(٢) عبارة القرافي هنا رحمه الله تعطى وضوحًا اكثر وهي قوله: وإن قلنا: إن سبب ذلك كونه أدِّيت به قربة اندرج فيه الماء المسْتعمل في المرة الثانية والثالثة، وفي تجديد الوضوء، ولا يندرج الماء المستعمل في غسل الذمية، لأنه لم تحصل به قربة، عكس ما تقدم، وانما حصل به ازالة المانع من الوطء ... وهكذا تظهر عبارة البقوري وتتضح أكثر.
(٣) سورة الفرقان: الآية ٤٨.
(٤) عبارة القراقي: وهذا وجْهٌ قوي حسن ومُدْركٌ جميل ...

<<  <  ج: ص:  >  >>