للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢) كمن أكل طعاما نجِساً يظنه طاهراً.

٣) كمن قتل مسلما في صفّ الكفار يظنه حربياً فإنه لا إثم عليه في جَهْلِهِ بذلك، لتعَذّر الاحتراز عن ذلك، (وما يمكن الاحتراز عنه ويقدم على الشيء معه فهو آثم خصوصا في الاعتقاد). (٣٥٠) وإنما كان آثما بالجهل دون النسيان، لما بينهما من الفرق، من حيث إن النسيان لا يُتصَوَّرُ الاحتراز منه، والجهل يُتصوَّرُ الاحتراز منه، (٣٥١) فالنسيان كالجهل الذي يتعذر الاحتراز منه. (٣٥٢)


(٣٥٠) ما بين قوسين ناقصٌ في النسخة التونسية، موجود في غيرها من نسخة ع، وحـ.
(٣٥١) من الأمثلة التي أقى بها القرافي لهذه الصُور: من شرب خمرا يظنه جُلَاباً (وهو عسَلْ أو سُكَرٌ عُقد وخُلِطَ بماء الورب) فإنه لا إثم عليه في جهله بذلك، والحاكمُ يقْضي بشهود الزور مع جهله بحالهم لا إثْم عليه في ذلك، لتعذر الاحتراز من ذلك عليه، وقِسْ على ذلك ما ورد عليك من هذا النحو، وما عداهُ فمكَلَّف به، ومن أقْدَم الجهل فقد أثِم، خصوصا في الاعتقادات، فإن صاحب الشرع قد شددَ فيها تشديداً عظيما.
وأما الفروع دون الأصول فقد عفا صاحب الشرع من ذلك، ومن بَذل جهده في الفروع فأخطأ، فله أجر، ومن أصاب فله أجران كما جاء في الحديث، قال أبو الحسين في كتاب (المعتمَد في أصول الفقه): إن أصوِل الفقه اختَصَّ بثلاثة أحكام عن الفقه:
أن المصيبَ فيه واحِدٌ، والمخطئ فيه آثم، ولا يجوز التقليد فيه، وهذه الثلاثة التي حكاها هي في أصول الدين بعينها، فقد ظهر لك الفرق - يقول القرافي - بين قاعدة ما يكون الجهل فيه عذراً وبين قاعدة ما لا يكون الجهل فيه عذْراً". اهـ.
(٣٥٢) قلت: ومن البديهي المسلّم به أن الله تعالى أكرم عباده بخاصية العقْل ومزيته، وجعله أساس التكليف ومناطه، وأمرهم بالتعلبم والبحث عن المعرفة، وأرشدهم إلى سؤال أهل العلم والفقه في الدين، حتى يَتَأتَّى للناس رفع الجهل عنهم، ويتسَّر لهم دفعه والتحرز منه، فقال تعالى: خطابا لنبيه الكريم، وتعليما لعباده المومنين: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}. سورة طه، الآية ١١٤، وقال سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}. (سورة الأنبياء، الآية ٧).
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "طلب العلم فريضة على كل مسلم"، أخرجه الحافظ جلال الدين عبد الرحمان السيوطي في كتاب "الجامع الصغير"، نقلا عن الحافظ ابن عبده البر رحمه الله، في كتابه جامع بيان العلم وفضله. ورواية عن أذكره رضي الله عنه، وقال - صلى الله عليه وسلم -. في العذر بالنسيان: "رُفع عن امتى الخطأ والنسيان وما استُكْرِهوا عليه" أورده كذلك الإِمام السيوطي في كتابه المذكور، نقلا عن الإِمام الطبراني رحمه الله، ورواية عن أنس رضي الله عنه، ورمز له السيوطي في كانابه بالصحة هكذا (صح).
وقد علق الشيخ العلامة المحقق أبو القاسم، قاسم بن عبد الله الأنصاري، المعروف بابن الشاط رحمه الله على ما جاء عند الإِمام القرافي رحمه الله في هذا الفرق الذي ختم به الشيخ العلامة أبو عبد الله محمد بن إبراهيم. البقوري رحمه الله كتابه هذا (ترتيب الفروق)، وجعله آخرَ قاعدة من القواعد التي اشتمل عليها هذا الترتيب والاختصار، فقال ابن الشاط في ذلك:

<<  <  ج: ص:  >  >>