للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إعلم أن الأهْوِية يجرى عليها ما يجري على الأبنية، فالملوك لشخص معَيَّنِ، هواؤه كذلك، والمسجدُ هواؤه للمسجد، والوقْفُ هواؤه كذلك، فلا سبيل لأحدٍ أن يتعدى على شيء من ذلك بالبناء عليه، ولم يخرج عن هذه القاعدة إلَّا فرعٌ واحد. قال صاحب الجواهر: يجوز إخراج الرواشن (١٠٧) والأجنحة على الحيطان إلى طريق المسلمين إذا لم تكن مستندة، فإذا كانت مستنِدة لم يَجُزْ إلا برضا أهلها كلهم.

وسبب خروج الرواشن عن هذه القاعدة أن الابنية هي بقية المواتِ الذي كان قابلا للإحياء، مُنعَ الإحياء فيه لضرورة السلُوكِ ورَبْطِ الدوابِّ وغير ذلك، ولا ضرورة في الهواء، فبقي على حاله مباحا في السكة (١٠٨) النافذة، وأما المستندة فلا، لحصول الاختصاص، وتعيُّن الضرر عليهم. (١٠٩)

وأما ما تحت الأبنية الذي هو عكس الأهوية التي جهة السفل فظاهر المذهب أنه مخالف لحكم الابنية، ولهذا قال صاحِبُ الطراز: إنَّ المسجد إذا حُفِرَ تَحتَه مطمورة يجوز أن يَعبُرَهَا الجنُبُ والحائض. وقال: لو أجزْنا الصلاة في الكعبة وعلى ظهرها لم نُجزْها في مطمورة تحتها، فهذا تصريح بمخالفة الأهوية لما تحت الأبنية، إذْ لا يجيزون أن يَمرّ الجنب في أهوية المساجد، ولهذا اختلفوا، مَن ملك أرْضًا هل يملك ما فيها وما تحتها أوْ لا، ولم يختلفوا في ملك ما فوق البناء في الهواء (١١٠).


جِذع في حائط الخ .. قال الفقيه ابن عاصم في منظومته التحفة:
وجائزٌ أن يُشترَى الْهَواءُ ... لأنْ يقَامَ مَعه البِنَاء
(١٠٧) الرواشِن: جمعُ رَوْشَن وهي الكوة أو النافذة.
(١٠٨) السِّكة هي الطريق المستوية.
(١٠٩) قال ابن الشاط هنا: تعليل القرافي بقاء أهْوية الطرق غير المستندة على حالها مِن قبولها للإِحياء، بعَدَم الضرورة المُلْجئة اليها، مشْعِرٌ بنقيض ما حكاه عن المذهب من أن حكم الهواء إلى عنان السماء حكم البناء، فإنه لا ضرورة تلجئ إلى ذلك، فمقتضى ذلك، الاقتصارُ على ما تُلْجئ الضرورة إليه، والمحَكَّم في ذلك العادةُ، فهذا موضع نَظر".
(١١٠) قال ابن الشاط: "ما قاله القرافي هنا حكاية أقوال لا كلام فيه".
يقال: قرٌ في المكان يَقَر بفتح القاف كسرها سكن فيه، وقر على الامر ثبت عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>