للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا قد وجد فيه عندنا وعند أبي حنيفة وابن حنبل أهليَّة التصرف ولم توجد فيه الذمة، وتوجد الذمة بدون أهلية التصرف، كالعبيد، فإنهم محجور عليهم لحَق السادات، وإن قلنا: إنهم يملكون، فلا يجوز لهم التصرف إلا بإذن السيد، سَدًّا لذريعة إفساد مالِهِم، ولَوْ جنَوْا جناية ولم يقع الحديث فيها ولا الحكم كانت متعلقة بذمتهم، إذا عَتَقُوا طولبوا بها، بحلاف الصبي إذا بلغ، لا يطالَب بما تقرر في ذمته قبل البلوغ، لكن بما تقدم سببُه قبل البلوغ يطالَبُ به الان، والعبدُ يُطالَب بما تعلقَ بذمته قَبل العِتْق، فيكون قد تقدم في حق العبد السببُ واللزوم، وفي حق الصبي السبب دون اللزوم. وتوجد أهلية التصرف والذمة معا في حق الحر البالغ الرشيد، فظهر ما قلناه من أنهما متغايران، وأن أحدهما أعمُّ من الآخَر بوجهٍ وأخصُّ منه بوجهٍ آخَرَ.

فإن قلت: قولك أعمُّ وأخص حكْمٌ على الذمة والأهلية، والحكم عليهما ثانٍ عن معرفتهما، إذْ الرَّدُّ والقَبول فرعٌ عن كون الشيء معقولا. (١١٦).

قلت: العبارة الكاشفة عن الذمة أنها معنى شرعي مقدر في المكلف، قابلٌ للالتزام واللزوم، وهذا المعنى جعله الشرع مستتبعا أشياء خاصة:


(١١٦) عبارة القرافي هنا أظهر وأوضح حيث قال: فإن قلت: الحكم على الشيء بالرد والقَبول فرع عن كونه معقولا، ومعنى الذمة تَعَمُّدٌ غيرُ معقول، فكيف يُقْضَى عليها بالعموم أو الخصوص أو غيرها، فلابدَّ من بيان الحقيقتين، وإلا فلا يتحصل من هذه العمومات والخصوصات مقصود. قلت: العبارة الكاشفة عن الذمة أنها معنى شرعي مقدَّر في المكلف، قابلٌ للالتزام واللزوم".
قال في هذا المعنى القاضي أبو بكر محمد بن عاصم الأندلسي الغرناطي رحمه الله. في فصل السَّلَم من باب البيوع، في منظومته التحفة (في فقه القضاء) وهو يشرح معنى الذمة،
فِيمَا عدا الأصول جوز السَّلَمْ ... وليس في المال ولكنْ في الذِّمَمْ
والشرْحُ للذّمة وصفٌ قاما ... يقبل الِالتزام والإِلزَاما.

<<  <  ج: ص:  >  >>