للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السبب الثالث كونُه سببا لتوقع فساد القلوب وحصول الكبرباء والخُيَلاء، كما كره مالك وجماعةٌ الدعاءَ لأئمة المساجد عَقِبَ الصلوات المكتوبات جهرا للحاضرين. ولهذا قال عمر رضي الله عنه لمن طلب منه الإِذن في ذلك:

أخاف عليك أن تبلغ الثُّرَيَا.

السبب الرابع أن يكون مكروها، لأن متعلَّقه مكروه، كالدعاء بالإِعانة على اكتساب الرزق بالحجامة والعمل في الحمامات، وغيرِ ذلك ممَّا يُكره.

الخامس عدمُ تَعيُّنِه قُرْبةً، بل يُطْلَقُ على سبيل العادة والاستراحة في الكلام كما يفعله السماسرة، (٧٩) إلا أن يغلب على ذلك اللفظِ استعمالُهُ في العرْف لغير


= وفي معناه أيضا حديث ثوبانَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ولا يَقومُ (أي الامام أو المصلى) إلى الصلاة وهو حَقِنٌ"، (أي لا يقوء إليها وهو حَقِن وحصور بأحد الأخبثين من البول أو الغائط حى يتخفف ويجدد الوضوء ليؤدي الصلاة بكامل أركانها واطمئنانها وخشوعها، ويحصل له ثوابها تاما وكاملا غير منقوص. وفي الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا وُضِعَ العَشاءُ وأقيمت الصلاة فابدأو بالعشاء" رواه البخاري والترمذي رحمهما الله. والعَشاءُ بفتح العيْن طعام المساء ويقابله طعام الغداء بفتح العين والدال المهمَلة ومنه قوله تعالى في قصة موسى مع فتاه: {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف: ٦٢].
(٧٩) قال القرافي: وذلك في الأسواق عند افتتاح النداء على السلع، كقولهم: الصلاة والسلام على خير الانام. قال مالك: كم يقولون هذا على سبيل العادة من غير قصد الدعاء والتقرب إلى الله تعالى، وهو خَبَرٌ، ومعناه الدعاء، كما يقول المتحدثون في مجالسهم: ما أقوى فرسَ فلان أبْلاها الله بدَنية أو سَبُع، ونحو ذلك مما يجري هذا المجرى ولا يريدون شيئا من حقيقته، فهذا كله مكروه، وقد أَشار بعض العلماء إلى تحريمه وقال: كلّ ما يُشْرع قُربةً لله تعالى لا يجوز أن يقع إلا قُربةً له على وجه التعظيم والإِجلال لا على وجه التلاعب.
ثم قال القرافي: فإن قلت: قد كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول نحواً من هذا الدعاء، ومَنصِبُهُ - صلى الله عليه وسلم - منزَّهٌ عن المكروهات، بل يجب اتِّباعه في أقواله وأفْعاله، وأقَلَّ الأحوال أن يكون مباحا، كما في قوله لعائشة "تَرِبَتْ يداكِ ومن أيْن يكونُ الشَّبَه" لمَّا تَعَجَّبَت ممَّا لم تعلم من كوْن المرأة تُنزِل المني كما يُنزل الرجلُ". ومعلوم أنه عليه السلام ما أراد إذايتها بالدعاء، كقوله لمن أراد التزوج: "عليك بذات الدِين تَرِبَت يداكَ"، ليس من الإِرشاد ما يقتضي قصد الإِضرار بالدعاء، فقد استعمل الدعاء لا على وجه الطلب والتقرب، وهو غير ما نحن فيه.
فأجاب عن ذلك بقوله: "لفظ الدعاء إذا غلَب استعماله في العرف في غير الدعاء انتسخ منه حكم الدعاء، ولا ينصرف بعد ذلك إلى الدعاء إلا بالقصد والنية، فإذا استعمله مستعمِل في غير الدعاء فقد استعمله فيما هو موضوع له عرفا، ولا حرج في ذلك، وإنما الكلام في الالفاظ التي تتصرف بصراحتها للدعاء، وتستعمل في غيره، فليس ما في الأحاديث من هذا الباب. =

<<  <  ج: ص:  >  >>