للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمر في الثبوت لو قال أحدٌ: جاء رجل، وقال آخر جاء رجل مومن، والجائى واحدٌ، لحملنا ذلك المطلق على ذلك المقيد، وكان تصديقا للخبرين وعملًا بهما معا، فلو كان النهيُ أو النفْي لما صحّ حمل المطلق على المقيّد، وهذا من حيث أن النكرة في سياق النفي تعُمُّ. فلو قيل: لا تُعْتق رقبة، لدَلَّ على العموم كما يدل عليه النفىُ في قولك: ما أعْتقَ رقبة، فإذا جاء اللفظ المقيَّد مع هذه، كان مخصّصا، إذ قولك: لا تُعْتق رقبة، نَهْيٌ عن عتق رقبة من الرقاب بأى وصف اتصفت. وقولك بعد هذا: لا تعتق رقبة مومنة، تخصيص للنهى بالموصوفة بذلك الوصف، والتخصيصُ خلاف التعْميم، ولا يجْمَعُ معه كما يُجمع عتْقُ الرَّقَبَة المطلَقَة مع عِتق الرقبةِ المقيَّدة بالايمان، فإن المومنة هى رقبة وزيادة، وهذا لا يتجه فيما قلناه. ومثل هذا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "في كل أربعين شاةً، شاةٌ"، فَقَوْلُه - صلى الله عليه وسلم - بعد هذا: "في الغنم السائمة، الزكاة" (٧٢)، من حمل فيه المطلق على المقيد فقد أخطأ، بسبب أن المقيد خصص المطلق، وأخْرج منه المعلوفة، والعموم في قولهِ: في كل أربعين، يَقْتضي وجوبَ الزكاة فيها، فليس جامعا بين الدليلين كما هو في الصورة التي قبلها. وهنا يصدق قول المعترض: فيه إلغاء أحد الدليلين، وإنما يرجع مثل هذا إلى قاعدة أخرى، وهى تخصيص العموم بذكر بعضه، والصحيح عند العلماء أنه باطل، ولا يتخصص بذلك، لأن البعض لا ينافي الكل، فظهر من هذا أن حمل المطلق على المقيد يصح في الكلي المطلق، ولا يصح في الكلية. (٧٣).

إذا اتضح هذا فهنا أربع مسائل:

المسألة الأولى (٧٤): ذكر شهاب الدين رحمه الله تعالى: أنه سمع قاضي القضاة صدر الدين الحنفي -رحمه الله- يقول يوما: إن الشافعية تركوا أصلهم


(٧٢) في نسخة ح: في النعم، وهي شاملة للابل، والبقر والغنم من الضأن والمعز، فتكون رواية النعم أعم من رواية الغنم.
(٧٣) علق ابن الشاط على ما جاء عند القرافي في هذا الموضوع من أوله فقال: ما قاله في هذا الموضع مسلَّم.
(٧٤) قال ابن الشاط: ما قاله القرافي في هذه المسألة والتي بعدها صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>