إعلم ان حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد يرفع الخلاف، ويرجع المخالف عن مذهبه لمذهب الحاكم، وتتغير فتواه بعْدَ الحكم عما كانت عليه على القول الصحيح من مذاهب العلماء. ثم مثل لذلك بأمثلة وقال: فمنِ لا يرى وقف المشاع، إذا حكم حاكم بصحة وقفه، ثم رفعت الواقعة لمن كان يفتي ببطلانه، نفَّذه وأمضاه، ولا يحل له بعد ذلك أن يفتي ببطلانه، وكذلك إذا قال (لامرأة): إن تزوجتك فأنت طالق، فتزوجَها وحكم حاكم بصحة هذا النكاح، فالذي كان يرى لزوم الطلاق له، ينفذ هذا النكاح، ولا يحل له بعد ذلك أن يفتي بالطلاق، هذا هو مذهب الجمهور، وهو مذهب مالك، ولذلك وقع له في كتاب الزكاة وغيره أن حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد لا يُرَد ولا ينقضُ. وعلق الفقيه ابن الشاط هنا على هذا الكلام فقال: "لقائل أن يقول: لا ينفذه ولا يمضيه، ولكنه لا يَرُذُهُ ولا ينقضه (اي حكم الحاكم بوقف المشاع)، وفَرْق بين كونه ينفذه ويمضيه، وكونه لا يَرُده ولا ينقضه" اهـ كلام ابن الشاط رحمه الله.