للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لغةً، ومن هذا الباب قَتلَ فلانٌ قتيلا، وطحن دقيقا، والقتيل لا يُقْتَل، والدقيق لا يُطْحَن بحسب اللغة. فأهل اللغة يقدِّرون مضافًا محذوفا، به يصح عندهم الكلامُ، وأهل العرف لا يعرجون على هذا, ولا يقَدِّرُون شيئاً، وصار هذا قد غلب على معنى صحيح عندهم في غير تقديرهم حذفًا، وقد يجتَمع المجازُ في التركيب والمفرد معا، كقولك: أرْوَاني الخُبْزُ، وأشْبَعنى الماءُ، والثاني مجاز في التركيب فقط، والأول مجاز في المفرد فقط.

ثم هذه المجازات غَلَبَتْ عُرفا حتى صارت مقدَّمة على الحقائق اللغوية وناسخةً لها، فهذا هو معنى قولنا: العُرف القولي يُقْضى به على الألفاظ ويخصصها (٥٣).

وأما العُرف الْفِعْلي فمعناه أن يوضع اللفظ لمعنى يَكْثُرُ استعمال أهل العُرف لبعض أنواع ذلك المسمى دون بقيَّتةِ. مثاله أن لفظ الثوب صادقٌ لُغَةً على ثياب الكتان والقطْن والحرير والوَبَر والشعَر، وأهل العرف إنما يستعملون الكتان والقطن والحرير دون الوبر والشعر، فهذا عرف فِعلي. وكذلك لفظ الخبْزِ يصدق لغةً على خُبْز الفُولِ والحِمّص وغير ذلك، ولا يصْدُق عليهما بحسب العُرْف، فوقوع الفِعل في نوع دون نوع لا يُخِلُّ بوضع اللفظ للجنس كله. وقد نقل بعض الناس الإجماع في أن العُرف الفعلي لا يؤثر، بخلاف العرف القولي. (٥٤).

قال شهاب الدين -رحمه الله-: ولنذكر مسائل تُوَضح الفرق بينهما.

المسألة الأولى: إذا فرضنا مَلِكًا أعْجَميا يتكلم بالعجمية، وهو يعرف اللغة العربية، غير أنه لا يتكلم بها لثقلها عليه، فيحلِفُ أن لا يأكل خُبزُا، ولا


(٥٣) علق ابن الشاط على ما جاء عند القرافي في أول هذا الفرق إلى قوله: الحقائق العرفية مقدمة على الحقائق اللغوية، فقال: جميع ما قاله القرافي في ذلك ظاهر.
(٥٤) قال ابن الشاط: ما قاله القرافي من أن العرف الفعلي لا يؤثر في وضع اللفظ للجنس، كله صحيح، غير أن ما أراد بناءه على ذلك من أن من حلف لا يلبس ثوبا، وعادته لبس ثوب الكتان دون غيره، بحيث يحنث بلبس غير الكتان، ليس بمسَلَّم له على ما ياتي بيانه إن شاء الله. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>