للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يلبَسَ ثوْبًا، فحلف بهذه الألفاظ التي تجْرِ لهُ عادة باستعمالها، وعادَتُهُ في غذَائهِ لا يأكل إلا خبزَ الشعير، ولا يلبس إلا ثياب القطن، فإنَّا نُحنِّثُهُ بأي ثوب لبسه، وبأي خبز أكَلَهُ، فلا نَلتفِتُ للعرف الفعلي، ولم يكن له عرْفٌ قولي يِخصص، فلزم حِنْثُهُ لما قلنا، والله الموفق للصواب. (٥٥)

المسأله الثانية: إذا قال الحالف: والله لا آكل رؤوسا. قال ابن القاسم: يحنث بجميع الرؤوس، وقال أشهب: لا يحنث إلا برؤوس الأنعام خاصة.

فأشهب رأى أن اللفظ صار منقولاً عُرْفا إلى رؤوس الأنعام، وابن القاسم قال: ما بلغ حد النقل وإن كان كثر استعمالهم لذلك، لكنه بقى مجازًا على نوع كَثُرَ استعماله كالأسدِ للشجاع. (٥٦).

قلت: وقد مضى لنا قاعدة الفرق بين المنقول وما كثر استعماله، وأن كثرة الاستعمال لا توجب النقل.

وضابط ما بينهما فهْم المعنى بالقرينة أوْ دُون القرينة، فالتوقف على القرينة مجاز، والآخَرُ منقول، وهذا هو سببُ الخلاف بين ابن القاسم وأشهب، ولم يلتفت واحد منهم إلى العرف الفعلي ولا عرَّج عليه، وإنما هما مع تحقق النقل، وجِدَ أمْ لا؟ . (٥٧)


(٥٥) قال ابن الشاط هنا معلقا على كلام القرافي هنا: لا نُسلم له تحنثِيه، بل لقائل أن يقول: اقتصاره على أكل خبر الشعير ولبس ثياب القطن مقيِّدٌ لمطلق لفظه، ويكون ذلك من قبيل بساط الحال، فإن الايمان إنما تعتَبَرُ بالنية ثم ببساط الحال، فإذا عُدِمّا حينئذ تعتبر بالعرف، ثم باللغة إن عدم العرف.
(٥٦) في نسخة ح: على نوع كثرة استعماله، والأولى أي نسخة ع أظهر وأبينُ.
(٥٧) كلام الإمام القرافي هنا رحمه الله يزيد المسألة وضوحا وبيانا حين قال:
وضابط النقل أن يصر المنقول إليه هو المتبادر الأول من غير قرينة، وغيرُه هو المفتقر إلى القرينة، فهذا هو مُدْرَك القولين، فاتفق اشهب وابن القاسم على أن النقل العرفي مقدّم على اللغة إذا وجد، واختلفا في وجوده هنا، فالكلام بينهما في تحقيق المناط.

<<  <  ج: ص:  >  >>