للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= هذا وممن تناول مَبْحث الفرق بين السنة والبدعة، ونقل آراء العلماء واختلاف وجهات نظرهم وفهمهم في الموضوع بأسلوب جلى مشرق واضح، أستاذنا الجليل، العلامة المشارك السيد علال الفاسي رحمه الله، وذلك في كتابه القيم والذائع الصيت: (مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها). وكذا موسوعة الفقه الكويتية في مادة بدعة، حيث نقلت أقوال العلماء في موضوع البدعة والسنة، بشيء من البيان والتفصيل.
ونقل الشيخ الإِمام الحافظ خاتمة المحققين، وعمدة الأتقياء العارفين، وقُدْوة الأولياء الواصلين، العلامة ابن حجر الهيثمي رحمه الله في كتابه "فتح المبين لشرح الأربعين"، الذي شرح فيه الأربعين حديثا النووية التي جمعها الإِمام النووي رحمه الله، نَقَلَ كلامَ الإِمام الشافعي رحمه الله في هذا الموضوع، أثناء شرحه للحديث الخامس من تلك الأحاديث، وهو الحديث الصحِيح المتفَقُ عليه والمروىُّ عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "منِ أحدث في أمرنا هذا ما ليسَ منه فهو رَدٌ (أي مردود عليه)، وفي رواية أخرى: "من عمِلَ عملَا ليس عليه أمرنا فهو رَدٌّ".
قال الإِمامُ الشافعي هنا رحمه الله، وناهيكم بهِ علما وورَعاً، وخشيةً وتقوى: "ما أحدِث وخالَفَ كتابا أو سنة أو إجماعا أو أثراً فهو البدعة الضالة، وما أحْدِثَ من الخيْر ولم يخَالِف شيئا من ذلك فهو البدعة المحمودة".
قال ابن حَجَر الهيثمي هنا رحمه الله: والحاصل أن البدعة الحسنة متفَق على ندْبها، وهي ما وافق شيئا مما مر ولا يَلزَم من فعله محذور (أي ممنوع) شرعي، ومنها ما هو فرضُ كفايةٍ كتصنيف العلوم ونحوها ممّا مر.
ثم زاد قائلا: قال الإِمام أبو شامة شيخُ المصنف (أيْ شيخ الإِمام النووي مصنف هذه الأحاديتْ الأربعين في أصول الدين) رحمهما الله: "ومِنْ أحْسَنِ ما ابتُدِعَ في زماننا ما يُفْعَلُ كل يوم في اليوم الموافق لمولد النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصدقات والمعروف وإظهارِ الزينة والسرور، فإن ذلك مع ما فيه من الإحسانِ إلى الفقراء مشْعِرٌ بمحبَّة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتعظيمه وجلالته في قلب فاعل ذلك، ومُشْعِرٌ بشُكر الله تعالى على ما من به من إيجاد وبعثة رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعَلى آله وسلم تسليما"، إلى غير ذلك مما ذكره عن البدعة الحسنة، والبدعة السيئة، ومقياس التفريق بينهما وميزان تمييز إحداهما عن الاخرى، واعتبار ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن.
وما من شك في أن هؤلاء الأئمة الأعلام، والعلماء الأتقياء الأبرار كانوا - رحمهم الله - على معرفة ودراية كاملة بما يقولون، وعلى بينة وبصيرة من أمرهم فيما يكتبون ويوضحون، علما وورعا وتقوى، وخشية، وفِقهاً متينا في الدين.
ومن ثمَّ فإنه لا ينبغي لكل من يتصدر لتوعية الناس وإرشادهم في أمور دينهم أن يتسرع في الحكم على كل قول أو عمل رأى عليه الناس، ويمكن اعتباره من القُرَب التطوعية، فيَصِفَهُ بأنه من قبيل البدعة المنكرة والمحرمة التي لا تَمتُّ إلى الدين بصلة، بل ينبغي له أن يتثبت ويتروَّى، وأنْ يعرضه على ميزان الشرع ويذاكِرَ فيه العلماء المتمكَنين، فيتحرى في إصدار الحكم على =

<<  <  ج: ص:  >  >>