للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وهذا التمييز والتفريق بين ما أحدِث ويدخل في السنة الحسنة ويكون مشمولا بها ومندرجاً فيها، وبين ما أحدث ويكون خارجاً عنها على ضوء المقياس والميزان الشرعى المذكور هو الذي ارتضاه بعض علماء الإسلام وأخذوا به، وقسموا على أساسه البدعة إلى خمسة أقسام، وهم في نفس الوقت يدركون وجهة نظر العلماء الآخرين القائلين ببدعة كل ما أحدث في الدين بعد عصر النبوة والرسالة، وبَعْدَ عَهْدِ السلف الصالح من الصحابة، ويتفهمون مقصدهم النبيل الهادف إلى الحيلولة دون توسع العامة في إحداث البدع السيئة ونسبَتِهَا إلى الدين وإلصاقها به، وهو منها براء وبعيد.
على أن من المسلَّم به والمفروض المبنى على حسن الظن بالناس أن أي مسلم متبصر في الدين، فضلا عن عالم وفقيه متمكن وعارفٍ بشرعه الحكيم، لا يسمح له إيمانه وتديُّنهُ ويقينه بلقاء ربه أن يتقدم بين يدي الله ورسوله بزيادة قول أو عمل لا أساس له في الإسلام، ولا أن يتجرأ على أن يحدث ويَشْرع مالم يأذن به الله، ولا أن يخالف أمراً هو طاعةٌ لله ورسوله، وأجمع علماء الإسلام وأمته على الأخذِ والعمل به في كل عصر وجيل. خاصة والعلماء العارفون أعرفُ الناسِ بالحديث والسنة، وأحرص الناس على الاقتداء والِاتِّباعِ، والاهتداء بنور القرآن، وهَدْي الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد زكاهم الله تعالى وأثن عليهم بقوله المبين: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ}، وبقوله سبحانه: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}. وقوله جل علاه: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}.
ومن هذا المنطلَق والأساس، ومن كون الأمر لا يعدو أن يكون اختلافا في فهم بعض النصوص الشرعية ومقاصدها الحكيمة، رأينا الشيخ البقوري رحمه الله في هذه القاعدة الأولى من قواعد كتاب الجامع، ورأينا شهاب الدين القرافي قبله رحمه الله في الفرق الثاني والخمسين والمائتين، الموازى لتلك القاعدة يقسم البدعة إلى. خمسة أقسام: بدعة واجبة، ومندوبة، ومباحة، ومكروهة، ومحرمة. ورأينا الشيخ العلامة أبا القاسم ابن الشاط، وناهيكم به علما وفقها، وورعا وتحقيقا، وانتقاداً وتصوييا وتصحيحا لكلام القرافي، لدرجة القسوة عليه أحيانا، يوافق على ما جاء في هذا الفرق ويسلِّمهُ ويقول: "ما قاله القرافي في هذا الفرق صحيح "، (أيْ: من التقسيم وغيره، ممّا اتصل بالموضوع ...
على أن بعض الأئمة الأعلام من علمائنا الأبرار خصُّوا بعض مؤلفاتهم بهذا الموضوع، وتناولوه فيها بدقة وتوسع، حرصاً على تبيين وتوضيح كل ما يمكن أن يعتبر من قبيل البدعة، مثل كتاب الاعتصام لأبي إسحاق الشاطبى، والمدخل للعلامة ابن الحاج، وكتاب السنن والمبتدعات، وغيرهم ممن بحثوا هذا الموضوع، بقطع النظر عن وجهة نظرهم فيه واحترامها واعتبارها في الحرص على الِاتّباع، ومخالفة بعض العلماء لهم في جزئياته وبعض مسائله وتعميمه، مما يمكن أن ينطبق عليه قول علمائنا: اختلاف العلماء رحمة، فرحمهم الله. جميعا وأثابهم على حسن صنيعهم وحرصهم على الاتباِع والاقتداء، والتمسك بنصوص ومقاصد الشرع الحكيم. =

<<  <  ج: ص:  >  >>