(١٠) أي إن من كان متحليا بالتقوى والورع لا يتوسع في تعاطى المباحات، ولا يُكْثِرُ من الانتفاع والاستمتاع بها، حَذَراً من أن يَجُرَّهُ ذلك ويدفع به إلى الوقوع فيما ليس بمباح، وهو أمرٌ لا يجوز شرعا، للمسلم أن يقدم عليه ولا يسوغ له ذلك بحال من الأحوال. قلت: وحَبَّذا لو أن بعض الناس الذين يتحدثون في موضوع السنة والبدعة ويتناولون الكلام فيه عن غير معرفة عميقة، ولادراية واعية، يهتدون إلى الاطلاع والتعرف على كلام مثل هؤلاء العلماء الأفاضل الأجلاء. المشهود لهم بالعلم والورع والتقوى على صعيد العالم الإسلامي، ويرجعون إلى قراءة مثل هذه التحقيقات والتدقيقات الموجودة في كتبهم القيمة، ومؤلفاتهم الشهيرة، والاستنارة بعلمهم وفقههم في الدين، وذلك حتى يتسنَّى لمن يتحدث في هذا الموضوع الدينى الدقيق، ويتيسَّر له الاهتداء إلى الصواب فيه، والتمييزُ بين ما هو من قبيل البدعة حقا، وَمُخَالِفٌ كلَّ المخالفة لِنصوص الشرع ومقاصده، ولأصوله وقواعده العامة، ولِما أجمع عليه أئمة وعلماء الأمة الإسلامية، ومتعارضٌ مع كل ذلك، فيرْفضُ من أساسه إجمالا وتفصيلا، وبين ما ليس كذلك، ولا يتعارض في شيء مع تلك المبادئ والأصول والقواعد العامة، فيُقبل ويُوخَذُ بهِ، على اعتبار أن له أصلا من الدين، وأساساً من شرعه الحكيم، ويمكن اعتباره من السنة الحَسنة ومندرجا فيها، ومشمولا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من سَنَّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، لا ينقص من أجورهم شيء، ومن سَن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص من أوزارهم شيء". وبذلك يكون المقياسُ والميزانُ الشرعي في ذلك هو المعتبر عند النظر في هذا الموضوع بتأمل وتدبر، وبتفهم وتبصر، وبدون تَجَزُّؤٍ وتسَرُّعٍ واعتداد بالرأى، وتعميم الحكم على كل الأمور، فيحصل التمييز ويتضح التفريق بين ما يكون من السنة الحسنة فيُقبل، وبين ما يكون من قبيل السنة السيئة، فيُرفض، ولا يُقبل، مصداقا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، (أي مردود عليه)، لأنه حينئذ ليس من الدين في شيء، ولا يندرج في أصل ئابت من أصوله، ولا في مقصد حكيم من مقاصده، ولا في قاعدة عامة من قواعده، فلا يكون له أساس في الدين لا من قريب ولا من بعيد. =