للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو بعضَه، لِأن مُوجِدَ الشَّىْء شأنُه أن يكون له، ويُبْدأ في الطرح بالأمتعة، ثم الْبَهَائِم لشَرَف النفوس.

قال: والطَّرحُ عند الحاجة واجبٌ لا يجري فيه القولان اللذان للعلماء في دفع الداخل عليك البيتَ لطلَبِ النفس، أو مَن اضْطرَّ إلى أكل الميتة، فَفيهما قولان: أحدُهُما يجب الدفعُ والأكل، وثانيهما لا يجِبَانِ، لقصة ابنْي آدم، (١٣) ولقوله عليه السلام: كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل (١٣ م)، وعليه اعتَمد عُثمان رضي الله عنه.

والفرق بيِّنٌ، من حيث إن التَّرْك هُنا لاقتناء الأموال، وليس واجبًا، وهنالِك من حيث قتْل النفس، وهذا الترك واجب عليه، لأن القتل محرَّم (١٤).

وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يضمن منِ أهل السفينة أحدٌ، إلا الطارحُ إن طرح مال غيره، وإن طرح مال نفسه فمُصيبته منهُ وإن استدعى غيرُهُ منْه ذلك.


(١٣) إشارة إلى قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٢٧) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [المائدة: ٢٧، ٢٨].
(١٣ م) أورده الشيخ محمد بن عبد الباقي الزرقاني شارح الموطأ للامام مالك رحمهما الله، وذلك في كتابه: "مختصَر المقاصدِ الحسنة في بيان كثير من الاحاديث المشتهرة على الألسنة". وذكره بلفظ "كن عبد الله المظلوم، ولا تن عبد الله، الظالمَ، وقال فيه: ورد بلفظ "القاتل" و "المقتول"، ولم يذكر درجته من الصحة والحسن أو الضعف. واكتفى بالاحالة في شأنه على كتاب المقاصد، وكتاب التمييز، وكتاب الكشف، وهي كلها كما ذَكَرَ في مقدمة الكتاب كتب تناولت الاحاديث المشتهرة على الالسنة لتبيين صحيحها من ضعيفها. كما أورده الإِمام السيوطي في كتابه: الدر المنثور في التفسير بالمأثور، وذلك عند تفسيره للآية المشار إليها.
(١٤) عبارة القرافي هنا اكثر بيانا ووضوحا حيث قال: والفرق أن التارك للقتل والاكل هنالك تارك لئَلا يفعل محرما، وها هنا لبقاء المال، واقتناؤه ليس واجبا، أكل الميتة وسفكُ الدم، محرم، وما وضع المالُ إلا وسيلةً لبقاء النفس، ولم يوضع قتلُ الغير وأكل الميتة وسيلةً لذلك، ولا يَضمن الطارح ما طرحة هنا اتفاقا، ولمالك في أكل مال الغير للمجاعَة قولان بالضمان وعدمه، ولا يضمن بدفع الفحل إذا قتله، لأنه كان يجب على صاحبه قتله، صوْنا للنفس، فقد قام عن صاحبه بواجب.

<<  <  ج: ص:  >  >>