وقد علق الشيخ ابن الشاط على ذلك بقوله: جميع ما قاله القرافي هنا غير صحيح، وهو نقيض الحق وخلاف الصواب، بل الحق والصواب ما اقتضاه ظاهر الحديث من أن الحق هو غير العبادة، لا الأمرُ المتَعلِّق بها. ثم زاد ابن الشاط قائلا: ومِنْ أعجب الأمور قوله: "فظاهره (اي الحديث) معارض لما حَرَّره العلماء من حق الله تعالى، كيفَ يحرر العلماء ما يخالف قول الصادق المصْدوق؟ ! ويَاليْتَ شعْرِي، مَنْ هؤلاء العلماء؟ كيف يصح القول بأن حقَّ الله تعالى هو أمرُه ونهْيُهُ، والحَقُّ معناه: اللازم له على عباده، واللازم على العباد لابدَّ أن يكون مكتسَباً لهم، كيف يصح أن يتعلق الكسْبُ بأمره، وهو كلامُه وصفتُهُ القديمة، وهذا كله كلام من ليس بن التحصيل بسبيل، والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله. قلت: يظهر - والله أعلم - أن كلام كل من هذين العالمين الجليلين، والفقيهين الفاضلين: القرافي وابن الشاط رحمهما الله يحتاج إلى تأمل ونظر، لعله يجد فهما صحيحا ووجهاً سليماً ومَحْمِلا مقبولا يجعل كلام كل منهما صائبا وسديدا يمكن معه التوفيق بينهما. وبيان ذلك أن يقال: حق الله تعالى على عباده هو أمره نهيه، كما قال القرافي وبعض العلماء، على اعتبار أن ذلك من حق الله سبحانه وأنه أهل له، فهو رب العالمين العليم الحكيم، خالق الكون والناس اجمعين، ومن حقه سبحانه وتعالى كذلك على عباده أن يعبدوه ويطيعوه بما أمرهم به من الواجبات، وما نهاهم عنه من المنهيات، وأن يخضعوا له بكل ذلك، ويخلصوا له الدين فيه، وكل دلالةٍ منفردةٍ. للحق بهذا المعنى، مُسَلَّمةٌ عند العلماء وغيرهم من كافة المسلمين، وعلى هذا، يصدق حق الله تعالى في دلالته على الأمرين معا وشموليته لهما، ويجمع بين أقوال العلماء في ذلك على هذا الأساس والفهم والتأويل القريب. فالتحقيق الذي حرره العلماء في دلالة حق الله على أمره ونهيه سبحانه لعباده، وانتهوْا إليه نظريا، وحكاه القرافي عنهم، لا ينبغي أن يُفهَم على أنهم حرروا ما يخالف قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهُم رضي الله عهم- في مُجْملهم وَجميعهم اكثر الناس ورَعا، وتقوى وخشية من الله، وهم أوسع. الناس وأدقهم فهماً لكماب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وهم لذلك أبعد الناس على المخالفة والابتداع، وأحرصُهم على الموافقة والاتباع، والاقتداء بنبيهم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وهو الأسوة الحسنة لمن كان ورجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا. وما قد يصدر =