للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال شهاب الدين: الحق الواجب للوالدين الذي امتازوا به عن الاجانب يظهر تقريبه بذكر ثمان مسائل:

المسألة الأولى: جاء رجل إلى مالك وقال له: يا أبا عبد الله، لي والدة وأختٌ وزوجة، فكلما رأت لي الوالدة شيئا قالت: أعطِ هذا لأختِك، فإنْ منعتُها سبَّتْتي ودَعتْ عليَّ، فقال له مالك: ما أرى أن تغايِظها. تخلَّصْ منها بما قدَرت عليه، وتخلَّصْ من سخطها بوُسعك.

المسألة الثانية: جاَء رجل إلى مالك فقال له: والدي في بلاد السودان كتب إليَّ أقْدَمَ أن أقْدَمَ عليه، وأمّي تمنعني من ذلك، فقال: . أطِع أباك ولا تعص أمّك. ورُوي أن الليث أمَره بطاعة الأمّ، لأن لها ثلُثي قوله البِر كما حكاه الباجي قوله، أن امرأة كان لها حقّ على زوجها، فأفتى بعض الفقهاء ابنَبها بأن يتوكل لها على أبيه وكان يخاصمه، وبعضهم قال له: هو عقوق، والحديث إنما دل على أن بِرَّه أقلّ من بِرّ الأم لا أنه يُعْصَى. (٣١٥)


= ووفيات الاعيان لابن خلكان، ونفح الطب للمقري، وغيرهم من المؤلفين في تراجم العلماء والتعريف بمؤلفاتهم واعمالهم العلمية، فرحمهم الله جميعا، وأسكنهم فسيح جناته، واثابهم على ما قدموا من خدمة علمية للاسلام والمسلمين، ورحم كافة العباد المومنين.
(٣١٥) قلت: البرور بالولدين مطوب شرعا وطبعا، ويعتبرُ أعظمَ أنواع البِر والخير، التي ينال بها العبد المسلم رضي الله ورضي العباد، ويكفى للدلالة على ذلك أن الله تعالى أمر بالإحسان اليهما في غير ما آية، وقرنَهُ بالأمر بتوحيده وعبادته، فقال تعالى في سورة النساء الآية ٣٦: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}.
وقال سبحانه في سورة الإسراء: الآية ٢٣، ٢٤، ٢٥ {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (٢٤) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا}
كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا أن رضَى الله في رضَى الوالدين، وأن سخطه في سخطهما، وقدَّم الرعاية لهما والعناية بهما في حَالة كبرهما ضعفهما وعجزهما على الخروج إلى الجهاد في سبيل الله، وجعل ذلك البرورَ بمنزلة الجهاد، فقال لأحد الصحابة رضوان الله عليهم وهو يريد الخروج إلى الجهاد: ألك أبوان؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهِدْ (أي جاهد في سبيلهما =

<<  <  ج: ص:  >  >>