للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالأولُ كوُجُوب الصلاة، والثاني هو النذر، وكذلك الأسباب أَيضا جعلها على قسمين:

قسم منها نصبه هو كجعل الزوال سببا وأمثالِه، وقسم جعله لِخيَرَة المكلف كما في الأحكام، ويَجعلُ هذا المكلفُ سبباً ما شاءَ، كدخول الدار وهبوب الربح، أو نزول المطر، أو قُدُوم زيد، الخِيرة له في تعيين ما شاء من ذلك، فلا يتوقف على المكتسباتِ له أو لغيره.

فاذا تقرر هذا حصل الفرق بين الواجب الأصلي وبين النذر من وجهين:

أحدهما أن مصلحة المنذور مصلحةُ الندب، فإن النذر لا يتعلق بالواجب ولكن بالندب، فببلغ بذلك الي مرتبة الواجب.

الثاني أن سبَبَه لا يناسبُ الوجوب كالأسباب المقرَّرة في أصل الشريعة، والبعدُ من طريق الأسباب أشد، فإن المندوبَ فيه مصلحة، فانتقل إلى حكم ما هو أعظم مصلحة منه.

وأما الأسباب، فالسببُ الشرعي مناسب للحكم، والسببُ الاختياري لا مناسبة في كثير منه، فإنه لو قال: إن طار الغرابُ فعَليَّ صدقةُ درهم، أيّ مناسبَةٍ في طيران الغراب للصدقة؟ ووجود النصاب مناسبٌ للصدقة.

فان قيل: فكيف اقتضت الحكمة الإلاهية اعتبار مالا مصلحة فيه أو إقامة (١٥٣) مصلحة الندب للوجوب، مع أن القاعدة أن الاحكام تتْبعُ المصالح على اختلاف رُتَبها؟ قلت: جآء هنا سبب آخر قوَّى تلْكَ المصلحة حتى حكم


(١٥٣) هكذا في النسختين: "أو إقامة مصلحة الندب للوجوب"، وفي الفروق: وإقامةَ".

<<  <  ج: ص:  >  >>