للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غلب عليها في هذا القسم فقالوا بمقتضى العرف، وكأن القائل قد قال حقيقةً: جنس الطلاق يلزمني، والعرف يقضي على اللغة، ولا تقضي اللغة عليه. (٨)

قلت: شهاب الدين رحمه الله يقول في مواضع أخرى: المفرد الذي تدخله الألف واللام يختلف، فإن كان مثل مال، فالألف واللام إذا دخلت على مثله للعموم، فقبضْت المال، المراد جميعُه، وإن كان مثل رجل، فالألف واللام في مثله لا يَعُم. والمراد بمثل مال ما يتصف بالكثرة والقلة، وبمثل رجل مالاً يتصف بذلك.


(٨) قال القرافي هنا رحمه الله: "إذا تقرر أن لام التعريف تستعمل في أحد الأمور الثلاثة: لاستغراق الجنس، وللمعهود من الجنس، ولحقيقة الجنس، كقول السيد لعبده: (الإنسان لخادمه مثلاً: إذهب إلى السوق فاشترِ لنا الخبز واللحم، يريد إثبات هذه الحقيقة ولا يربد العموم، فما علم أن أهل العرف قد نقلوها بحقيقة الجنس دون استغراق الجنس، فيصير معنى كلام المطَلق أن حقيقةَ جنس الطلاق تلزمني، وإذا لزمته هذه الحقيقة، وهذه الحقيقة تصدُق بفرد, لم يلزمه إلا فرد وهو طلقة واحدة, لأن الأيمان مبنية على العرف في اليمين بالله والطلاق وغيره. فإذا حدث عرف بعد اللغة قدم عليها, لأنه ناسخ لها، والناسخ مقدم على المنسوخ. وهاتان القاعدتان في الاصول خالفهما الفقهاء في الفروع، وهما: قاعدة: الإستثناء من النفي إثبات، ومن الأثبات نفي، ولم يقولوا بذلك في الأيمان على ما تقدم من الخلاف، وقاعدة المعرف بلام التعريف، قالوا: لأنه للعموم ولم يقولوا به في الطلاق، والسبب ما تقدم بيانه.
وقد علق ابن الشاط على هذا الكلام عند القرافي، فقال: تبين أن الحقيقة الكلية لا وجود لها في الخارج (اى خارج الذهن، وفي الواقع)، فلا يمكن أن تكون هي المقصودة في قوله: الطلاق يلزمني، ولكن يمكن أن يكون المقصود الاستغراق أو العهد، فعل هذا كان ينبغي أن نُلزمه الثلاث احتياطًا، كمن طلق ولا يدرى أواحدة أم ثلاثًا، نلزمه الثلاث احتياطًا, ولكن لا اعلم أحدًا ألزم الطلاق بذلك اللفظ، فهو عرف في مطلق الثلاث، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>