للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنه - وإن كان كذلك من جهة الإثبات - فمخالف معناه منه معنى ما يكون من غضب الآدميين الذين يزعجهم ويحركهم ويشق عليهم ويؤذيهم.

لأن الله جل ثناؤه لا تحل ذاته الآفات، ولكنه له صفة، كما العلم له صفة، والقدرة له صفة، على ما يعقل من جهة الإثبات، وإن خالفت معاني ذلك معاني علوم العباد، التي هي معارف القلوب، وقواهم التي توجد مع وجود الأفعال وتعدم مع عدمها (١).

وهذان القولان ذكرهما ابن جرير في تفسيره، والقول الأخير الذي حكاه هو قول السلف، وأما الأول فهو قول المؤولة من أشعرية وغيرهم، ولم يرجح ابن جرير قول السلف على غير عادته.

أما ابن عاشور فقد خالف القاعدة التي نص عليها حيث يقول في تفسير قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} " وإذْ كانت حقيقة الغضب يستحيل اتصاف الله تعالى بها وإسنادُها إليه على الحقيقة , للأدلة القطعية الدالة على تنزيه الله تعالى عن التغيرات الذاتية والعرضية، فقد وجب على المؤمن صَرف إسناد الغضب إلى الله عن معناه الحقيقي، وطريقةُ أهل العلم والنظر في هذا الصرف أن يصرف اللفظ إلى المجاز بعلاقة اللزوم أو إلى الكناية باللفظ عن لازم معناه فالذي يكون صفة لله من معنى الغضب هو لازمه، أعني العقاب والإهانة يوم الجزاء واللعنة أي الإبعاد عن أهل الدين والصلاح في الدنيا أو هو


(١) جامع البيان / الطبري، ج ١، ص ٩٣.

<<  <   >  >>