للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد اعتنى ابن عاشور بهذه القاعدة، وبين في المقدمة التاسعة من تفسيره أهمية البلاغة ودورها في أساليب العرب، وأن القرآن من بلاغته تحتمل ألفاظه الكثير من المعاني، ما لم يمنع من ذلك مانع شرعي أو لغوي، وأن اللغة العربية تتمتع بمميزات جعلتها لغة القرآن، ومنها أنها أوفر اللغات مادة وأقلها حروفاً، وأفصحها لهجة، وأكثرها تصرفاً في الدلالة على غرض المتكلم، ثم أشار إلى أنه يجب أن يحمل المشترك في القرآن على ما يحتمله من المعاني سواء المعاني الحقيقية أم المجازية (١) حيث يقول:

" فمختلف المحامل التي تسمح بها كلمات القرآن وتراكيبه وإعرابه ودلالته من اشتراك وحقيقة ومجاز وصريح وكناية وبديع ووصل ووقف إذا لم تفض إلى خلاف المقصود من السياق يجب حمل الكلام على جميعها "- إلى أن يقول -: " وقد كان المفسرون غافلين عن تأصيل هذا الأصل , فلذلك كان الذي يرجح معنى من المعاني التي يحتملها لفظ آية من القرآن يجعل غير ذلك المعنى ملغى , ونحن لا نتابعهم على ذلك بل نرى المعاني المتعددة التي يحتملها اللفظ بدون خروج عن مهيع الكلام العربي البليغ، معانيَ في تفسير الآية , فنحن في تفسيرنا هذا إذا ذكرنا معنيين فصاعداً فذلك على هذا القانون , وإذا تركنا معنى مما حمل بعض المفسرين عليه في آيات من القرآن فليس تركنا إياه دالاً على إبطاله، ولكن قد يكون ذلك لترجح غيره، وقد يكون اكتفاء بذكره في تفاسير أخرى تجنبا للإطالة " (٢).


(١) انظر التحرير والتنوير، ج ١، ص ٩٧.
(٢) التحرير والتنوير، ج ١، ص ٩٧ - ١٠٠.

<<  <   >  >>