للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما ما ورد عن ابن عباس - رضي الله عنه - في كون الآية منسوخة فقد أزال الإشكال عنه القرطبي حيث يقول: " يحتمل أن يكون النسخ هناك بمعنى التخصيص، فكثيراً ما يطلق المتقدمون النسخ بمعناه، وقد ثبت بالأسانيد الصحاح عن ابن عباس أن الآية ليست منسوخة وأنها محكمة " (١) , وأما ماذهب إليه ابن عاشور من كون هذه الآية منسوخة بالإجماع تنازعه قواعد أقوى منه في الترجيح.

ومن تلك القواعد التي تعضد هذا الترجيح قاعدة: (القول الذي يدل عليه السياق أولى من غيره .. ) وسياق الآية في أوله يخاطب المكلفين بالصيام فالله تعالى يقول في الآية قبلها {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} أي فرض، وجاءت الآية بعد ذلك في أحكام المريض والمسافر وأنه إذا تعذر عليهما الصوم فلهما القضاء في أيام أخر، فمن المفترض أن تكون الآية بعدها فيمن لا يقدرون على الصيام كالهرم أو المرضع، الحامل، وعليه يترجح والله أعلم أن الآية محكمة.

ومما يعضد هذا الترجيح أيضاً قاعدة ترجيحية أخرى، وهي: (تأتي القراءة في معنى الترجيح لأحد المعاني القائمة في الآية)، وقد وردت قراءة لبعض الصحابة يطَّوَّقونه بفتح الياء وتشديد الطاء والواو المفتوحين، بمعنى يتكلفونه مع عجزهم عنه. وعلى هذا القول، فيجب على الهرم ونحوه الفدية، وهو اختيار البخاري (٢).


(١) الجامع لأحكام القرآن / القرطبي، ج ٢، ص ٢٩١.
(٢) انظر التحرير والتنوير، ج ٣، ص ٢٧٥.

<<  <   >  >>