للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الراجح:

إن الآية محكمة وليست منسوخة , والعموم الذي يفيده قوله: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} قد خصص بما في الآيتين، فلم يعد كل من يولي الكفار دبره في القتال مستحقاً للوعيد الذي في الآية، وإنما قصر هذا الوعيد على من فرّ أمام عدو لا يزيد على مثليه (١).

ومما يعضد هذا الترجيح قاعدة (الأصل عدم النسخ مالم يقم دليل صحيح صريح على خلاف ذلك)، وقد رجّح بها الطبري فقال: " وإنما قلنا هي محكمة غير منسوخة، لما قد بينا في غير موضع من كتابنا هذا وغيره أنه لا يجوز أن يحكم لحكم آية بنسخ، وله في غير النسخ وجه، إلا بحجة يجب التسليم لها، من خبر يقطع العذر، أو حجة عقل، ولا حجة من هذين المعنيين تدل على نسخ حكم قول الله عز وجل: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} " (٢).

كما يعضد هذا القول ويقويه القاعدة الترجيحية (النسخ لا يقع في الأخبار) وقد ذكر ابن العربي أن النسخ هنا لا يجوز لأنه وعيد، والوعيد لا ينسخ لأنه خبر (٣).


(١) النسخ في القرآن الكريم / مصطفى زيد، ج ٢، ص ١٢٣
(٢) جامع البيان / الطبري، ج ٩، ص ٢٤٠.
(٣) انظر الناسخ والمنسوخ / ابن العربي، ص ١٣٢.

<<  <   >  >>