للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذْ كان جلّ ذكره قد أنبأهم عن مِلْكه إيَّاهم كذلك بقوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ}، فأولى الصّفات من صفاته جل ذكره أن يَتْبَع ذلك ما لم يحْوِه قوله {رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، مع قرب ما بين الآيتين من المواصَلة والمجاورة، إذْ كانت حكمتُه الحكمةَ التي لا تشبهها حِكمةٌ، وكان في إعادة وصفه جلّ ذكره بأنه {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} إعادةُ ما قد مضى من وصفه به في قوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ}، مع تقارب الآيتين وتجاوز الصفتين. وكان في إعادة ذلك تكرارُ ألفاظ مختلفة بمعان متفقة، لا تفيد سامع ما كُرِّر منه فائدةً به إليها حاجة. والذي لم يحْوِه من صفاته جلّ ذكره ما قبل قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، المعنى الذي في قوله: (مَلِك يوم الدين)، وهو وصْفه بأنه الملِك.

فبيِّن إذًا أن أولى القراءتين بالصواب، وأحقّ التأويلين بالكتاب، قراءة من قرأه (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ)، بمعنى إخلاص المُلك له يوم الدين، دون قراءة من قرأ (مالك يوم الدين) الذي بمعنى أنه يملك الحكمَ بينهم وفصلَ القضاء، متفرِّدًا به دون سائر خلقه (١).

وقال الرازي: " وحجة من قال أن الملك أولى من المالك وجوه:

الأول: أن كل واحد من أهل البلد يكون مالكاً أما الملك لا يكون إلا أعظم الناس وأعلاهم فكان الملك أشرف من المالك.


(١) جامع البيان / الطبري، ج ١، ص ٧٦.

<<  <   >  >>