للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمثالهم، وما هو بالذي تزول منه الجبال. وفي هذا تعريض بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين الذين يريد المشركون المكر بهم لا يزعزعهم مكرهم لأنهم كالجبال الرواسي.

وقرأ الكسائي وحده بفتح اللام الأولى من (لَتزولُ) ورفع اللام الثانية على أن تكون (إنْ) مخففة من (إنْ) المؤكدة وقد أكمل إعمالها، واللام فارقة بينها وبين النافية، فيكون الكلام إثباتاً لزوال الجبال من مكرهم، أي هو مكر عظيم لَتزول منه الجبال لو كان لها أن تزول، أي جديرة، فهو مستعمل في معنى الجدارة والتأهل للزوال لو كانت زائلة.

وهذا من المبالغة في حصول أمر شنيع أو شديد في نوعه على نحو قوله تعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} (١) " (٢).

ومما تقدم يتبين لنا استحضار ابن عاشور لهذه القاعدة حيث ذكر كل قراءة مبيناً معناها، ولم يرجح قراءة على أخرى وذلك بناء على منهجه في القراءات من أن القراءات حق كلها، إضافة إلى أن اختلاف القراءات يكثر المعاني في الآية، وبناء عليه فهو يأخذ بكل القراءات.

وممن يرى ذلك من المفسرين الرازي، والقرطبي، وابن كثير، والشوكاني، والألوسي، والقاسمي، (٣).


(١) سورة مريم، الآية (٩٠).
(٢) التحرير والتنوير / ابن عاشور، ج ٧، ص ٢٥٠.
(٣) انظر التفسير الكبير / الرازي، ج ٧، ص ١١٠، والجامع لأحكام القرآن / القرطبي، ج ٩، ص ٣٩٦، تفسير القرآن العظيم / ابن كثير، ج ٨، ص ٢٣١، وفتح القدير / الشوكاني، ج ٣، ص ١١٦، وروح المعاني / الألوسي، ج ٧، ص ٢٣٧، ومحاسن التأويل/ القاسمي، ج ٦، ص ٣٣٣.

<<  <   >  >>