للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الباطني والتفسير الإشاري (١) ... .

ومن يدقق النظر في تفسير ابن عاشور يدرك أنه قد وعى واستوعب جميع الشروط والمواصفات الواجب توافرها في المتصدي لتفسير كتاب الله تعالى.

ومن مذهبه أن ألفاظ القرآن تحتمل الكثير من المعاني المرادة والمقصودة مالم يمنع من ذلك مانع صريح أو غالب من دلالة شرعية أو لغوية أو توقيفية، وهذا هو الذي جعل تفسيره يزخر بالمعاني العظيمة، والأقوال المتعددة في الآية الواحدة، فله نظر لألفاظ القرآن وما تحويه من الكنوز، وقد بيّن ذلك في مقدمة كاملة من مقدمات التفسير وهي المقدمة التاسعة التي عنونها بقوله: " المقدمة التاسعة في أن المعاني التي تتحملها جمل القرآن تعتبر مرادة بها" (٢).

وخلاصة ما ذكره: أن العرب قوم أذكياء ذوو فصاحة وفطنة، وأنزل القرآن بلغتهم، وهي لغة سهلة، وهي أوفر اللغات مادة، وأقلها حروفاً , وأوفرها ألفاظاً , وأكثرها في الدلالة على أغراض المتكلم.

ولما كان القرآن نازلاً بهذه اللغة التي هذه صفتها، على أولئك القوم الذين مضى ذكرهم وما هم عليه من الفطنة والذكاء وتمام الفصاحة والبلاغة، كان حقيقاً بأن يودع فيه من المعاني والمقاصد أكثر مما تحتمله الألفاظ، في أقل ما يمكن من المقدار، بحسب ما تسمح به اللغة الوارد هو بها، التي هي أسمح اللغات بهذه الاعتبارات، ليحصل تمام المقصود من الإرشاد الذي جاء لأجله في جميع


(١) انظر التحرير والتنوير، ج ١، ص ٢٨ - ٣٧.
(٢) التحرير والتنوير، ج ١، ص ٢٨ - ٣٧.

<<  <   >  >>