للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ} (١).

أشكلت هذه الآية على بعض المفسرين، واختلفوا فيها، ورأوا أنها متعارضة مع آيات أخرى حتى قال بعضهم إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (٢)، وفسروا الظلم هنا بالشرك (٣).

أما ابن عاشور فقد وضّح هذا الإشكال في تفسيره بقوله: " وسياق الآية يدل على أن المراد بالمغفرة هنا التجاوز عن المشركين في الدنيا بتأخير العقاب لهم إلى أجل أراده الله أو إلى يوم الحساب، وأن المراد بالعقاب في قوله: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ} ضد تلك المغفرة وهو العقاب المؤجل في الدنيا أو عقاب يوم الحساب، فمحمل الظلم على ما هو المشهور في اصطلاح القرآن من إطلاقه على الشرك.

ويجوز أن يحمل الظلم على ارتكاب الذنوب بقرينة السياق كإطلاقه في قوله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا} (٤).فلا تعارض أصلاً بين هذا المحمل وبين


(١) سورة الرعد، الآية (٦).
(٢) سورة النساء، الآية (٤٨).
(٣) انظر الناسخ والمنسوخ / المقري، ج ١، ص ١٧.
(٤) سورة النساء، الآية (١٦٠).

<<  <   >  >>