للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان مع ما فيه من الإيجاز المبين في علم المعاني فيه إيجاز عظيم آخر، وهو صلوحية معظم آياته لأن تؤخذ منها معانٍ متعددة كلها تصلح لها العبارة باحتمالات لا ينافيها اللفظ ... " (١).

ومن الأمثلة على الإيجاز التي نبّه عليها في تفسيره ما جاء في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (٣٥) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا} (٢) وفيها قال ابن عاشور: " {الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} وصف للقوم وليس هو من المقول لموسى وهارون لأن التكذيب حينئذ لمّا يقع منهم، ولكنه وصف لإفادة قُراء القرآن أن موسى وهارون بلَّغا الرسالة وأظهر الله منهما الآيات فكذب بها قوم فرعون فاستحقوا التدمير تعريضاً بالمشركين في تكذيبهم محمداً - صلى الله عليه وسلم - وتمهيداً للتفريع بـ {فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا} الذي هو المقصود من الموعظة والتسلية. والموصول في قوله: {الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} للإيماء إلى علة الخبر عنهم بالتدمير.

وقد حصل بهذا النظم إيجاز عجيب اختصرت به القصة فذكر منها حاشيتاها: أولُها وآخرها لأنهما المقصود بالقصة وهو استحقاق الأمم التدمير


(١) التحرير والتنوير , ج ١، ص ١٢١.
(٢) سورة الفرقان، الآية (٣٥ - ٣٦).

<<  <   >  >>