الثاني: معناه ولا ترم أحدًا بما ليس لك به علم، وهذا من قول ابن عباس.
الثالث: إنه من القيافة , وهو اتباع الأثر، وكأنه يتبع قفا المتقدم (١).
وقد ذكر ابن عاشور هذه الأقوال في تفسيره وزاد عليها فقال: "ويندرج تحت هذا أنواع كثيرة منها:
الطعن في أنساب الناس، حيث كانوا يرمون النساء برجال ليسوا بأزواجهن، ويليطون بعض الأولاد بغير آبائهم بهتاناً، أو سوءَ ظن إذا رأوا بُعداً في الشبه بين الابن وأبيه أو رأوا شَبَهه برجل آخر من الحي أو رأوا لوناً مخالفاً للون الأب أو الأم، تخرصاً وجهلاً بأسباب التشكل، فإن النسل ينزع في الشبه وفي اللون إلى أصول من سلسلة الآباء أو الأمهات الأدنَيْن أو الأبعدِين، وجهلا بالشبه الناشئ عن الوحَم فهذا كان شائعاً في مجتمعات الجاهلية فنهى الله المسلمين عن ذلك، ومنها القذف بالزنى وغيره من المساوي بدون مشاهدة، وربما رموا الجيرة من الرجال والنساء بذلك .... وكذلك كان عملهم إذا غاب زوج المرأة لم يلبثوا أن يلصقوا بها تهمة ببعض جيرتها، وكذلك يصنعون إذا تزوج منهم شيخ مُسِنٌّ امرأة شابة أو نصفاً فولدت له ألصقوا الولد ببعض الجيرة. ولذلك لمّا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوماً «سلوني» أكثر الحاضرون أن يسأل الرجل فيقول: مَن أبي؟ فيقول: أبوك فلان. وكان العرب في الجاهلية يطعنون في نسب أسامة بن زيد من أبيه زيد بن حارثة لأن أسامة كان أسود اللون , وكان زيد أبوه أبيض أزهر، وقد أثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أسامة بن زيد بن حارثة , فهذا
(١) انظر هذه الأقوال في جامع البيان / الطبري، ج ١٥، ص ١٠٠ - ١٠٢، والنكت والعيون / الماوردي، ج ٣، ص ٢٤٣.