للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ) [الأنبياء: ٩٣].

والأصل: وتقطعتم، إلا أن الكلام حرف إلى الغيبة على طريقة الالتفات، كأنه ينعى عليهم ما أفسدوه إلى آخرين ويقبح عندهم فعلهم، ويقول لهم: ألا ترون إلى عظيم ما ارتكب هؤلاء في دين الله. والمعنى: جعلوا أمر دينهم فيما بينهم قطعا، كما يتوزع الجماعة الشيء ويتقسمونه، فيطير لهذا نصيب ولذاك نصيب، تمثيلا لاختلافهم فيه، وصيرورتهم فرقا وأحزابا شتى. ثم توعدهم بأنّ هؤلاء الفرق المختلفة إليه يرجعون، فهو محاسبهم ومجازيهم.

(فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ) [الأنبياء: ٩٤].

"الكفران": مثل في حرمان الثواب، كما أن الشكر مثل في إعطائه إذا قيل لله:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (والمعنى: جعلوا أمر دينهم فيما بينهم قطعاً)، ضمن "تقطع" معنى "جعل". وقال أبو البقاء: (أَمْرِهِمْ) أي: في أمرهم، أي: تفرقوا. وقيل: عدى تقطعوا بنفسه؛ لأنه بمعنى قطعوا، أي: فرقوا.

قوله: (فيطير لهذا نصيبٌ)، يقالُ: طار له سهمٌ، أي: أسرع وخف، وأصله من التطير بالسانح والبارح للحظ والنصيب والخيبة والحرمان.

قوله: (تمثيلاً لاختلافهم)، مفعولٌ له لقوله: "ينعي عليهم".

قوله: (الكفران)، مثلٌ في حرمان الثواب، يدلٌّ عليه قوله تعالى: (وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ) [آل عمران: ١١٥]، أي: لن تُحرموا ثوابه ولن تُمنعوه. وإنما قال: هو مثلٌ؛ لأن حقيقة الشُكرِ الثناءُ على المحسن بما أولاكَهُ من المعروف، وهذا في حق الله تعالى محالٌ،

<<  <  ج: ص:  >  >>